شهد المغرب في السنوات الأخيرة تحولات سياسية واقتصادية كبرى، تزامنت مع صعود شخصيات بارزة مثل عزيز أخنوش وعبد اللطيف وهبي وفؤاد عالي الهمة، إضافة إلى نزار بركات، الذي أثار دوره الاقتصادي تساؤلات كبيرة. بينما يتعامل البعض مع هذه الشخصيات كجزء من النظام الذي يسعى لتحقيق نهضة المغرب، يتهمها آخرون بالتواطؤ مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، لتنفيذ أجندات تخريبية تضر بالاقتصاد والسياسة المغربية.
هذا المقال يسعى إلى تقديم تحقيق استقصائي حول هذه الاتهامات، مع التركيز على الشخصيات التي تلعب أدواراً بارزة في المشهد المغربي. هل هؤلاء حقاً عملاء لفرنسا كما يعتقد البعض؟ وهل يتفق الملك معهم أم أن دوره محصور في توازنات سياسية دقيقة؟
العلاقات المغربية الفرنسية: إرث تاريخي ونفوذ مستمر
لطالما كانت العلاقة بين المغرب وفرنسا مثار جدل منذ فترة الحماية (1912-1956). بعد الاستقلال، حافظت فرنسا على نفوذها الاقتصادي والسياسي في المغرب، من خلال شبكات تربط بين المصالح الفرنسية والنخب المغربية. هذا النفوذ جعل بعض الشخصيات السياسية والاقتصادية في المغرب تحت دائرة الاتهام، إذ يُعتبر البعض أن فرنسا لا تزال تتحكم في القرارات المصيرية عبر هؤلاء الفاعلين.
عزيز أخنوش: من رجل الأعمال إلى رجل الدولة
عزيز أخنوش هو واحد من أبرز رجال الأعمال في المغرب، ويرأس شركة "أكوا غروب" التي تهيمن على قطاع الطاقة والوقود في البلاد. صعوده إلى السلطة كرئيس للحكومة بعد الانتخابات التشريعية لعام 2021 جاء مصحوباً بانتقادات حادة حول تداخل مصالحه الاقتصادية مع دوره السياسي.
يرى منتقدوه أن أخنوش لا يمتلك كفاءة سياسية حقيقية، وأنه يفتقر إلى تجربة إدارة الدولة، مما يجعله هدفاً للانتقادات حول فشله في تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المغرب. بعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك ليصفه بأنه مجرد واجهة لتنفيذ أجندات دولية، وعلى رأسها الفرنسية، خاصة مع الارتباطات الاقتصادية لشركاته مع باريس.
عبد اللطيف وهبي: وزير العدل المثير للجدل
عبد اللطيف وهبي، وزير العدل وزعيم حزب الأصالة والمعاصرة، هو الآخر لا يسلم من الاتهامات. على الرغم من خلفيته القانونية وتجربته في العمل السياسي، إلا أن بعض المنتقدين يرونه جزءاً من "شبكة المصالح" التي تعمل على إبطاء عجلة الإصلاحات الحقيقية في المغرب. يتم توجيه اتهامات له بتسهيل الفساد وتأخير العدالة الاجتماعية، إضافة إلى كونه جزءاً من المنظومة التي تخدم مصالح القوى الخارجية، وعلى رأسها فرنسا.
نزار بركات: رجل الأعمال وصاحب النفوذ الاقتصادي
نزار بركات، رجل أعمال مغربي يمتلك شبكة واسعة من العلاقات في القطاع المالي، يعد واحداً من الشخصيات التي أثارت جدلاً واسعاً. بركات، الذي لا يظهر كثيراً في الساحة الإعلامية، هو لاعب رئيسي في القطاع البنكي والمالي المغربي. يتم اتهامه بأنه أحد الرجال الذين يسهلون النفوذ الفرنسي في الاقتصاد المغربي، عبر استثمارات وشراكات تخدم المصالح الأجنبية أكثر من المصالح الوطنية.
بركات، مثل غيره من الشخصيات الاقتصادية البارزة، يواجه انتقادات حادة تتعلق بتأثيره على السياسات الاقتصادية التي يُقال إنها تخدم النخبة على حساب الطبقات الشعبية، وتعزز الهيمنة الفرنسية على الموارد المغربية.
فؤاد عالي الهمة: رجل الثقة والمستشار الملكي
فؤاد عالي الهمة، المستشار الملكي وأحد أقرب الشخصيات إلى الملك محمد السادس، هو شخصية محورية في النظام السياسي المغربي. يتمتع الهمة بنفوذ كبير في رسم السياسات المغربية، وغالباً ما يُنظر إليه على أنه العقل المدبر للكثير من القرارات الاستراتيجية في البلاد. الاتهامات الموجهة إليه بالتواطؤ مع فرنسا تأتي في إطار دوره كحلقة وصل بين السلطة المغربية والنخب الدولية، بما في ذلك فرنسا.
الملك محمد السادس: بين الاستقلالية والتوازنات السياسية
في ظل هذه الانتقادات التي تطال النخب السياسية والاقتصادية، يبقى السؤال حول موقف الملك محمد السادس. هل هو متفق مع هذه الشخصيات التي تتهم بالتبعية لفرنسا، أم أنه مغلوب على أمره في ظل التوازنات السياسية المعقدة؟
الملك محمد السادس يُعتبر صاحب السلطة العليا في المغرب، ويملك صلاحيات واسعة في اتخاذ القرارات. مع ذلك، يرى البعض أن الضغط الدولي والاقتصادي قد يحد من حرية الملك في مواجهة هذه النخب. وقد يكون دوره متوازناً بين المحافظة على استقرار البلاد ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
التأثير على الاقتصاد والسياسة الاجتماعية
الانتقادات الموجهة لهذه الشخصيات ليست فقط ذات طابع سياسي، بل تمتد إلى الاقتصاد والسياسة الاجتماعية. يُعتقد أن سيطرة هؤلاء الأفراد على قطاعات حيوية مثل الطاقة، المال، والعدالة، تساهم في تكريس الفجوة بين الأغنياء والفقراء في المغرب. البعض يرى أن السياسات التي يتم تنفيذها تخدم الطبقات الغنية والمصالح الأجنبية، بينما تُهمل احتياجات المواطنين البسطاء.
علاوة على ذلك، يواجه المغرب تحديات كبيرة في مجالات البطالة، الفقر، والفساد، وهي قضايا يعتقد كثيرون أنها تعمقت بسبب سياسات هذه النخب، والتي يتهمها البعض بعرقلة أي محاولة جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
الحديث عن تأثير نزار بركات، عزيز أخنوش، عبد اللطيف وهبي، وفؤاد عالي الهمة على السياسات المغربية يدفع إلى تساؤلات جوهرية حول مستقبل البلاد واستقلالية القرار الوطني. الاتهامات بالتبعية لفرنسا ليست مجرد نظريات مؤامرة، بل تعكس قلقاً مشروعاً لدى شريحة واسعة من المغاربة حول سيطرة نخبة ضيقة على السلطة والاقتصاد.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع المغرب التحرر من هذه التبعية الاقتصادية والسياسية، أم أن شبكات المصالح ستظل تعرقل أي محاولات للإصلاح والتغيير؟