تعد وزارة الداخلية المغربية واحدة من المؤسسات السيادية الأكثر تأثيرًا في البلاد، إذ تضطلع بمسؤوليات واسعة تشمل الأمن الداخلي، الشؤون المحلية، وإدارة شؤون المواطنين. وعلى الرغم من هذه المسؤوليات الواسعة، تتزايد الشكاوى من المواطنين حول عدم تجاوب الوزارة مع طلباتهم أو حل مشكلاتهم بشكل فعال. كثيرون يعتبرون أن ردود الوزارة لا تتجاوز غالبًا إطار "عدم الاختصاص" أو تعتمد على مبررات تتصف بالتسويف، مما دفع العديد من المواطنين إلى الاعتقاد بأن وزارة الداخلية أصبحت "مقبرة للشكايات" حيث تموت الشكاوى ولا تجد حلولًا جذرية.
نظرة عامة على الشكاوى:
يبدو أن المواطنين في المغرب يواجهون صعوبات كبيرة عند تقديم شكاياتهم المتعلقة بمشكلات اجتماعية، قانونية، أو إدارية إلى وزارة الداخلية. ورغم تنوع القضايا التي تشملها هذه الشكايات، من السكن والمشاكل العقارية إلى قضايا الإدارة العامة والأمن، إلا أن الردود من الوزارة غالبًا ما تكون مخيبة للآمال.
فاطمة، مواطنة من إحدى المدن الريفية، قدّمت شكاية بخصوص نزاع حول أراضٍ جماعية، تقول إنها تلقت ردًا عامًا من الوزارة يُخبرها بأن مشكلتها "لا تندرج ضمن اختصاص الوزارة"، د. تضيف فاطمة: "عندما تتجه إلى وزارة الداخلية، تعتقد أن لديك وجهة أخيرة لحل مشاكلك، لكن الحقيقة أن أغلب الردود تدفعك للإحباط."
شكاوى متكررة حول عدم الاختصاص:
يؤكد العديد من المواطنين أن الشكوى الأكبر تكمن في الردود الرسمية التي تتكرر فيها عبارة "عدم الاختصاص" دون تقديم بدائل واضحة. محمد، وهو موظف متقاعد، قدّم شكاية تتعلق بسوء الإدارة في إحدى البلديات، ولكنه تفاجأ برد الوزارة الذي يشير إلى أن الأمر خارج نطاق ا.
يشير الخبراء القانونيون إلى أن "عدم الاختصاص" هو حجة تستخدمها العديد من الجهات الحكومية للتهرب من المسؤولية. يقول المحامي أحمد بن جلون: "من المفترض أن تكون وزارة الداخلية هي الجهة التي تحل المشكلات أو على الأقل توجه المواطن إلى الجهة المناسبة، ولكن ما يحدث في كثير من الأحيان هو العكس."
غياب الشفافية والاتصال المباشر:
من أهم المشاكل التي يواجهها المواطنون هو غياب التواصل الفعلي مع المسؤولين. فالعديد من الشكاوى تُرسل عبر البريد الإلكتروني أو النظام الإلكتروني للشكاوى دون أن يتلقى المواطن أي تأكيد واضح أو رد سريع حول مصير شكايته. يقول علي، وهو ناشط حقوقي: "في معظم الأحيان، يتم التعامل مع الشكاوى وكأنها اختفت في فراغ، وإذا وصل رد، فهو غالبًا يكون عامًا وغير مجدٍ."
كما يشتكي العديد من المواطنين من عدم قدرتهم على متابعة شكاياتهم أو التواصل بشكل مباشر مع الجهات المسؤولة. تُعتمد الردود الإلكترونية، أو حتى البريد العادي، ولكن هذه الوسائل تُبعد المواطنين عن مراكز اتخاذ القرار وتخلق فجوة من البيروقراطية تجعل الحصول على حلول حقيقية أمرًا صعبًا.
لماذا لا تتحرك وزارة الداخلية؟
يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: لماذا لا تتحرك وزارة الداخلية بفعالية لمعالجة شكايات المواطنين؟ البعض يعزو ذلك إلى التحديات البيروقراطية والتعقيدات التنظيمية، حيث يعتمد القرار في الكثير من الأحيان على مسؤولين في مستويات متعددة، ما يبطئ عملية التجاوب.
من ناحية أخرى، يرى آخرون أن هناك مشكلة في منهجية تعامل وزارة الداخلية مع المواطنين. يرى الباحث في الشؤون الإدارية خالد التازي أن "المشكلة الحقيقية تكمن في أن الوزارة لا تملك نظامًا واضحًا لمتابعة الشكايات بشكل يضمن للمواطنين حقوقهم." وأضاف: "هناك غياب للتنسيق بين مختلف الجهات الداخلية في الوزارة، مما يؤدي إلى تضييع الوقت وتعطيل مصالح المواطنين."
تتمثل الحلول الأساسية لهذه المشكلة في تحسين نظم الشفافية والمساءلة داخل وزارة الداخلية. ينبغي وضع آليات واضحة لمتابعة الشكايات وضمان حصول المواطنين على ردود ملموسة ومحددة. كما يجب تعزيز قدرات الوزارة على التعامل مع المشكلات بفعالية، سواء عن طريق التوسع في تدريب الموظفين أو تحسين نظم الإدارة الرقمية.
هناك أيضًا حاجة ماسة إلى تحسين التواصل مع المواطنين، سواء من خلال قنوات اتصال مباشرة أو تعزيز الدور الرقابي للمجتمع المدني على أداء الوزارة. هذا من شأنه أن يخفف من الفجوة الحالية بين المواطنين والدولة ويعيد الثقة إلى المؤسسات الحكومية.
في النهاية، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستظل وزارة الداخلية المغربية مقبرة للشكايات؟ أم أن هناك فرصة لتطوير نظام أكثر شفافية وفعالية يستجيب لمشاكل المواطنين؟ الإصلاح الحقيقي يبدأ بإعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة، وهذه الخطوة تبدأ أولاً بالاستماع الجاد إلى الشكايات وتقديم حلول واقعية وملموسة. وزارة الداخلية لديها الإمكانيات، ويبقى التحدي في الإرادة لتفعيل هذه الإمكانيات بما يخدم المواطن وحقوقه.