في تصريحات لافتة أطلقها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مؤخرًا، أثار الجدل مجددًا حول معايير تطبيق القانون الدولي في النزاعات العالمية. قال سانشيز: "إذا دافعنا عن القانون الدولي في أوكرانيا، فيجب علينا الدفاع عن القانون الدولي في غزة"، مما يفتح الباب على مصراعيه لمناقشة ازدواجية المعايير التي تتبناها الدول الغربية في التعامل مع الأزمات الدولية.
التصريحات في سياقها: أوكرانيا كنموذج للدفاع عن القانون الدولي
منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، تبنت الدول الأوروبية، وعلى رأسها إسبانيا، موقفًا صارمًا في الدفاع عن سيادة أوكرانيا ضد العدوان الروسي. كان هذا الموقف متسقًا مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي التي تنص على احترام سيادة الدول وعدم استخدام القوة لتحقيق المكاسب السياسية. واعتُبرت أوكرانيا حالة نموذجية لتطبيق هذه المبادئ بشكل صارم، حيث دُعمت بمساعدات عسكرية واقتصادية هائلة من الغرب، مع فرض عقوبات صارمة على روسيا.
لكن هذه الصرامة في تطبيق القانون الدولي في أوكرانيا تطرح تساؤلات حول مدى اتساق نفس الدول في تطبيق هذه المبادئ في نزاعات أخرى مثل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، خصوصًا فيما يتعلق بقطاع غزة.
غزة: حالة أخرى للقانون الدولي
غزة، المنطقة الفلسطينية المحاصرة منذ سنوات، تعيش واقعًا مأساويًا نتيجة للصراع المستمر مع إسرائيل. تتعرض غزة بشكل دوري لهجمات عسكرية مكثفة تتسبب في خسائر بشرية كبيرة، بالإضافة إلى الحصار الذي يفرض ظروفًا معيشية قاسية على سكانها. وفي كل مرة تتصاعد فيها الأزمة، نجد أن التصريحات الغربية تركز على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، دون الالتفات الكافي إلى الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي التي تحدث في غزة.
تتناقض هذه المقاربة مع تلك التي تتخذها نفس الدول في أوكرانيا. فبينما يتم دعم أوكرانيا بشكل كامل في مواجهة روسيا، تُترك غزة وحدها في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، دون دعم يذكر من المجتمع الدولي، خاصة من الدول الغربية التي تروج لاحترام القانون الدولي.
ازدواجية المعايير: ما بين السياسة والمصالح
من الواضح أن تصريحات سانشيز تعكس إدراكًا متزايدًا لهذه الازدواجية في المعايير. فالسياسة الدولية غالبًا ما تتأثر بالمصالح الجيوسياسية للدول الكبرى، مما يؤدي إلى تطبيق انتقائي للقانون الدولي. في حالة أوكرانيا، يتلاقى الدعم الغربي مع المصالح المشتركة في مواجهة روسيا، بينما في حالة غزة، تتداخل المصالح الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل في تشكيل المواقف الدولية.
هذا التباين يضعف مصداقية الدول الغربية عندما تتحدث عن حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي. ويجعل من تصريحات سانشيز دعوة صريحة لمراجعة السياسات الدولية والنظر في كيفية تطبيق القانون الدولي بشكل متسق وعادل على جميع النزاعات، بغض النظر عن الأطراف المعنية.
أهمية الاتساق في تطبيق القانون الدولي
إن الدفاع عن القانون الدولي يجب أن يكون شاملاً وغير انتقائي. فإذا كانت المبادئ الدولية هي التي تحكم العلاقات بين الدول، فيجب أن تُطبق على الجميع بنفس المقياس. تحقيق العدالة في أوكرانيا وغزة على حد سواء يتطلب موقفًا دوليًا موحدًا ينأى بنفسه عن المصالح الضيقة ويسعى لتحقيق السلام والعدل على أساس القانون الدولي.
ختامًا، تصريحات سانشيز ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي دعوة للتفكير العميق في مستقبل العلاقات الدولية وكيفية تحقيق نظام عالمي أكثر عدلاً واستقرارًا. من الضروري أن تعكس السياسات الدولية القيم التي تدعي الدفاع عنها، لتجنب الوقوع في فخ الازدواجية التي تهدد بنسف مصداقية القانون الدولي نفسه.