في الآونة الأخيرة، تصاعدت وتيرة الشكايات المقدمة من وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، ضد الصحافيين والحقوقيين، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية. هذا السلوك، الذي يراه البعض محاولة لتكميم الأفواه وطمس الحقائق، يطرح تساؤلات جدية حول حدود السلطة في المغرب ومدى التزام الحكومة بالدستور والقيم الإسلامية التي تشكل جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية.
وهبي والشكايات: خلفية السياق ومآلات السلوك
عبد اللطيف وهبي، المعروف بنفوذه السياسي وشخصيته الجدلية، أصبح في مركز عاصفة من الانتقادات بسبب شكاياته المتكررة ضد عدد من الصحافيين والحقوقيين. هذه الشكايات، التي تُصنف في معظمها ضمن جرائم القذف والتشهير، أثارت تساؤلات حول مدى احترام وزير العدل لحرية الصحافة والتعبير، خاصة في ظل بيئة سياسية مشحونة بانتقادات لاذعة للحكومة.
بينما قد يُفسر البعض هذه الشكايات كحق مشروع لأي مواطن، فإن الوضع يختلف عندما يتعلق الأمر بشخصية عامة تشغل منصبًا وزاريًا حساسًا. في هذا السياق، يبدو أن وهبي يستغل ثغرات قانونية لمواجهة خصومه ومعارضيه في المجال الإعلامي والحقوقي، وهو ما يثير الشكوك حول نواياه الحقيقية. هل يسعى وهبي بالفعل لحماية سمعته، أم أن الأمر يتجاوز ذلك ليصل إلى محاولة تكميم الأصوات الناقدة وكبح حرية التعبير؟
الملك والدستور: هل يسمح الملك بمثل هذه الممارسات؟
الدستور المغربي، الذي يعتبر وثيقة سامية، يضمن حرية التعبير وحق المواطنين في النقد والمشاركة في الحياة العامة. الملك محمد السادس، الذي يتبوأ مكانة خاصة باعتباره أمير المؤمنين، يحرص في خطبه المتكررة على التأكيد على ضرورة احترام المسؤولين لمبادئ الدستور، بما في ذلك حماية حرية الصحافة وحقوق الإنسان.
ومع ذلك، يلاحظ غياب أي تدخل ملكي مباشر لوقف مثل هذه الممارسات من قبل وهبي، مما يطرح تساؤلات حول مدى السماح الفعلي بمثل هذه الشكايات. هل يمكن اعتبار صمت الملك إزاء هذه التصرفات نوعًا من القبول الضمني، أم أن هناك اعتبارات أخرى تجعل من تدخل الملك في هذا السياق غير مرغوب فيه؟
قد يرى البعض أن ترك الأمور تسير في مسارها القضائي دون تدخل مباشر من الملك يمثل التزامًا بمبدأ فصل السلطات. ولكن من جهة أخرى، يمكن أن يُفسر ذلك كإشارة سلبية، تفتح الباب أمام المزيد من التضييق على الحريات، وهو ما يتناقض مع الصورة التي يسعى الملك لترسيخها حول دعمه للإصلاحات وتعزيز حقوق الإنسان في المغرب.
وهبي والإساءة للقيم الإسلامية: غياب المحاسبة الملكية؟
ليس من باب المبالغة القول إن وهبي لم يقتصر في سلوكياته على الممارسات القضائية وحدها، بل تجاوزه الأمر إلى إثارة جدل حول موقفه من القيم الدينية الإسلامية. تصريحات وهبي التي تحمل تأويلات تثير الشكوك حول مدى احترامه للدين الإسلامي والأحاديث النبوية الشريفة لم تكن خافية على الرأي العام. وعلى الرغم من ذلك، لم يُرَ أي تدخل واضح من الملك محمد السادس، الذي يمثل المرجعية الدينية العليا في البلاد، لتوبيخ أو محاسبة وهبي على تلك التصرفات.
هذا التجاهل الملكي تجاه تصرفات وهبي، والذي يمكن اعتباره غير أخلاقي من منظور القيم الدينية، يثير قلقاً مشروعاً حول مدى التزام الحكومة الحالية بمبادئ الإسلام التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية المغربية. فإذا كانت حرية التعبير والدفاع عن القيم الدستورية مسألة أساسية، فإن احترام المبادئ الدينية يظل أكثر أهمية في مجتمع يُعرف بتدين أفراده واعتزازه بتاريخه الإسلامي.
ختامًا: هل تُدار الأمور بعقلانية في المغرب؟
إن السلوكيات التي يتبناها عبد اللطيف وهبي تجاه الصحافيين والحقوقيين تضع الحكومة المغربية في موقف حرج، خاصة في ظل صمت الملك إزاء تلك التصرفات. هذا الصمت يفتح المجال لتفسيرات متعددة، قد تكون بعيدة عن الواقع لكنها تعكس حالة من عدم الرضا الشعبي تجاه هذا الوضع.
المواطن المغربي اليوم لا يبحث فقط عن حكومة تلتزم بالدستور، بل أيضًا عن حكومة ومسؤولين يحترمون القيم الدينية التي يتبناها المغاربة. ومع عدم وجود أي إشارة واضحة من الملك محمد السادس تدين تصرفات وهبي، فإن القلق يتزايد حول مستقبل الحريات في المغرب ومدى احترام الحكومة للقيم الإسلامية التي شكلت دائمًا جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية.
إن المسؤولية تقع على عاتق الجميع لضمان أن يبقى المغرب بلدًا يحترم حرياته ودستوره وقيمه الدينية، وأن لا يكون هناك أي تساهل مع أي محاولة لتكميم الأفواه أو إساءة استخدام السلطة لتحقيق مصالح شخصية.
