من غير الطبيعي أن تستمر الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة طيلة هذه السنوات. نتحدث اليوم عن هذه القضية بمناسبة مرور ثلاثين عامًا على قرار الجزائر إغلاق الحدود في السابع والعشرين من أغسطس 1994. جاء هذا القرار الجزائري كرد فعل على قرار المغرب فرض تأشيرة دخول على الجزائريين، في ظل تزايد النشاطات الإرهابية التي نفذها جزائريون في الجزائر وأوروبا والمغرب، وكان حادث مراكش في أحد فنادق المدينة بمثابة الشرارة.
وفي عام 2021، وبعد مرور ما يقارب الثلاثين عامًا على هذا الوضع، اتخذت الجزائر خطوة أخرى بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية. كان ذلك ردة فعل على الخسائر التي تكبدتها الجزائر في حرب الاستنزاف التي خاضتها مع المغرب. وبهذا، زاد النظام الجزائري من تأجيج الأزمة، متذرعًا بقضية الصحراء المغربية التي هي في الأصل أرض مغربية استعادها المغرب بعد انسحاب المستعمر الإسباني.
إن محاولات الجزائر المستمرة لتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال السعي للسيطرة على الصحراء المغربية بغرض الوصول إلى المحيط الأطلسي تعكس فشلاً مستمرًا في تحقيق هذا الهدف. لم يكن المغرب يومًا معارضًا لتمكين الجزائر من الوصول إلى المحيط الأطلسي، شريطة أن تبقى الصحراء تحت سيادته. ومع مرور الوقت، بدأت الدول الكبرى في الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي الموسع التي اقترحها الملك محمد السادس في 2007 كحل وحيد قابل للحياة. فرنسا، على سبيل المثال، كانت من الدول التي انضمت مؤخرًا إلى دعم هذه المبادرة.
كان الملك محمد السادس قد دعا في عدة مناسبات إلى تشكيل لجان على أعلى مستوى لبحث إمكانية إعادة فتح الحدود بين البلدين. لكن الوقت كشف أن النظام الجزائري ليس مستعدًا للتجاوب مع هذه الدعوات، بل إنه يصر على الإبقاء على الحدود مغلقة. قد يكون السبب وراء هذا التعنت هو خوف النظام الجزائري من أن يزور المواطن الجزائري المغرب ويشاهد الفوارق الكبيرة بين بلد يسعى للتطوير والبناء، وآخر يعاني من تدني مستوى المعيشة بسبب سوء الإدارة واستنزاف الموارد النفطية.
بعد ثلاثين عامًا من إغلاق الحدود، يمكن القول إن النظام الجزائري لا يزال يهرب من الواقع، ويتجاهل الحقائق التي بدأت تتجلى للعالم. في هذا السياق، تأتي رسالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس في الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلائه العرش، لتشير إلى رغبة فرنسا في تعزيز العلاقات مع المغرب، على أساس الاعتراف بمغربية الصحراء وأهمية الدور المغربي إقليميًا ودوليًا.
كان رد الملك محمد السادس إيجابيًا على هذه الرسالة، حيث دعا الرئيس ماكرون لزيارة المغرب وأشاد بالموقف الفرنسي الداعم لسيادة المغرب على صحرائه. هذه الخطوة تعكس قوة الموقف المغربي واستمرارية الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي.
في المقابل، يصر النظام الجزائري على التمسك بشعارات قديمة عفى عليها الزمن، ويفشل في مواجهة الحقائق على الأرض. النظام الجزائري يرفض الاعتراف بالتقدم الذي حققه المغرب على كافة الأصعدة، ويخشى من أن يكشف هذا التقدم أمام الشعب الجزائري ضعف نظامه. يدرك الرئيس الفرنسي وغيره من القادة الدوليين أن الجزائر لا تزال تحت سيطرة مجموعة عسكرية، وأن هذه المجموعة تستغل العداء لفرنسا للتغطية على فشلها الداخلي.
من المؤسف أن الجزائر لا تزال متمسكة بموقفها المنغلق، وتخشى من أي انفتاح على المغرب. قد لا يكون الرئيس تبون سيئًا كشخص، ولكنه يفتقر إلى القدرة على تجاوز إملاءات المجموعة العسكرية، وهو ما يجعله غير مؤهل لتحقيق تغيير حقيقي في بلده.
الجزائر تمتلك إمكانيات سياسية كبيرة، ولكنها تحتاج إلى قادة لديهم الجرأة لاتخاذ قرارات جريئة تخدم مصلحة الشعب الجزائري. يجب على النظام الجزائري أن يعترف بالدعم الذي قدمه المغرب للجزائر على مر التاريخ، وأن يدرك أن فتح الحدود مع المغرب سيكون خطوة نحو تحقيق مصالحة حقيقية مع الذات.
حين تعيد الجزائر فتح حدودها مع المغرب، يمكننا حينها الحديث عن تحول داخلي حقيقي وسعي صادق لتحقيق المصالحة بين البلدين الجارين. المغرب كان دائمًا داعمًا لاستقلال الجزائر، وكانت العلاقات بين الشعبين تاريخيًا مبنية على الاحترام والتعاون. الآن، حان الوقت لاستعادة هذا الإرث والاعتراف بأن إغلاق الحدود لم يخدم أيًا من البلدين، وأن الجرأة على إعادة فتحها ستكون الخطوة الأولى نحو مستقبل أفضل للجزائر والمغرب على حد سواء.
