تشهد الساحة البيئية في المغرب حالة من الجدل والاحتقان عقب تصريحات وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، التي جاءت في معرض الدفاع عن قرار السماح باستيراد كميات ضخمة من النفايات الأوروبية. هذا الجدل فتح الباب أمام مناقشات حادة وانتقادات لاذعة من قبل نشطاء البيئة، الذين عبروا عن رفضهم القاطع لتبريرات الوزيرة، مطالبين بدلائل ملموسة وتوضيحات تفصيلية حول هذه النفايات المستوردة.
تبريرات الوزيرة تحت المجهر
ردت الوزيرة ليلى بنعلي على الانتقادات المثارة حول استيراد المغرب لملايين الأطنان من النفايات الأوروبية عبر بيان أصدرته الوزارة، موضحة أن هذه النفايات غير خطرة وأن استيرادها يتم وفقًا لاتفاقية بازل وضمن إطار قانوني وطني صارم. وذكرت بنعلي أن المغرب يستورد هذه النفايات من أوروبا بسبب جودة أنظمة الفرز والمعالجة هناك، مشيرة إلى أن البلاد تُعد من أقل الدول استيرادًا لهذه النفايات مقارنة بدول أخرى.
لكن هذه التبريرات لم تكن كافية لتهدئة النشطاء البيئيين، الذين طالبوا الوزيرة بكشف المزيد من التفاصيل حول هذه العملية، مشيرين إلى أن التوضيحات المقدمة تزيد من الغموض المحيط بهذا الملف الحساس.
السوق البيئية وتأثيرات استيراد النفايات
بحسب ما ذكرت الوزيرة بنعلي، فإن استيراد النفايات يخضع لنظام إداري صارم، حيث تم إصدار 416 رخصة استيراد منذ عام 2016. وأشارت إلى أن هذا القطاع يساهم في خلق فرص الشغل وخفض الفاتورة الطاقية وتعزيز الاقتصاد الدائري في المغرب. لكن النشطاء يرون أن هذه المبررات تخفي وراءها تحديات بيئية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بحرق العجلات المطاطية لتوليد الطاقة، وهي مسألة أثارت نقاشات حادة في أوروبا.
محمد بنعطا، منسق التجمع البيئي لشمال المغرب، كان من بين أبرز المنتقدين لتصريحات الوزيرة. وحذر من محاولة تضليل الرأي العام عبر تقديم معطيات جزئية، مشيرًا إلى أن دولًا أوروبية مثل ألمانيا وهولندا والسويد قد حظرت عملية حرق العجلات المطاطية بسبب تأثيراتها البيئية الضارة. وأكد بنعطا أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التخلص من هذه النفايات عن طريق تصديرها إلى إفريقيا، مما يجعل من المغرب واحدًا من الوجهات المستهدفة.
مطالبات بدلائل ملموسة
رغم تأكيد الوزيرة بنعلي على أن النفايات المستوردة غير خطرة، إلا أن النشطاء يطالبون بدلائل ملموسة تدعم هذه الادعاءات. وفي هذا السياق، دعا رشيد فسيح، رئيس جمعية "بييزاج لحماية البيئة" بأكادير، إلى ضرورة تقديم دراسات علمية محلية تثبت أن هذه النفايات غير ضارة. وأوضح أنه في غياب مثل هذه الدراسات، سيظل الملف يكتنفه الغموض، وسيبقى موضوع استيراد النفايات مثار جدل كبير في الأوساط البيئية المغربية.
ضعف البنية القانونية وعدم الشفافية
من القضايا التي أثارها النشطاء أيضًا هي ضعف البنية القانونية في مجال إعادة التدوير في المغرب. وأشار رشيد فسيح إلى الانتشار الواسع لشركات غير مرخصة تعمل في مجال إعادة التدوير دون أي رقابة، مما يشير إلى خلل كبير في النظام البيئي المحلي.
وأكد فسيح على ضرورة تحديد دقيق لأنواع النفايات التي يستوردها المغرب، مشيرًا إلى أن هناك غيابًا واضحًا للشفافية في هذا المجال. وأوضح أن مرور سنوات طويلة دون معرفة النوع الحقيقي للنفايات المستوردة يعزز من الشكوك حول مدى احترام القوانين المعمول بها في هذا الشأن.
أرقام ونسب: الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة
لإعطاء لمحة عن حجم الاقتصاديات البيئية في الدول المتقدمة، نذكر أن الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في الاتحاد الأوروبي وصل في عام 2023 إلى حوالي 16 تريليون يورو. ويمثل القطاع البيئي جزءًا كبيرًا من هذا الرقم، حيث تقدر إسهامات الاقتصاد الدائري بأكثر من 147 مليار يورو سنويًا. في ألمانيا وحدها، بلغ الناتج المحلي الإجمالي 3.7 تريليون يورو، مع تركيز كبير على الابتكار في مجال إعادة التدوير وتقليل النفايات.
لكن في المغرب، رغم أن الاقتصاد الدائري يساهم بنسب متواضعة في الاقتصاد الوطني، إلا أن التحديات المتعلقة بضعف البنية القانونية والشفافية تشكل عقبة أمام تحقيق فوائد اقتصادية وبيئية حقيقية من استيراد النفايات. ويبدو أن المضي قدمًا في هذا المجال يتطلب جهودًا أكبر لضمان سلامة البيئة والصحة العامة في المغرب، خاصة في ظل الشكوك المتزايدة حول طبيعة النفايات المستوردة.