المخطط الأخضر: بين استنزاف الموارد وتعميق الأزمة الفلاحية في المغرب

data:post.title

 




في ظل أزمة المياه الخانقة التي يعاني منها المغرب، يكشف الواقع عن معطيات صادمة تتعلق بطريقة تدبير الموارد المائية وتوزيعها بين القطاعات المختلفة. فوفقاً لإحصائيات حديثة، يتم استهلاك 85% من المياه المتوفرة في البلاد من قبل 15% فقط من الأراضي الفلاحية، في حين تبقى 85% من الأراضي الزراعية الأخرى بورًا تنتظر رحمة السماء.


هذا التفاوت الكبير في توزيع المياه يشير بوضوح إلى خلل عميق في السياسات المائية والزراعية المعتمدة في المغرب. فإذا كانت 15% فقط من الأراضي الفلاحية تستحوذ على الجزء الأكبر من الموارد المائية، فما هو حال باقي الأراضي التي تعتمد بشكل شبه كلي على الأمطار التي أصبحت نادرة بفعل التغيرات المناخية؟


الحقيقة المرّة هي أن أكثر من مليون و300 ألف فلاح يعيشون على أمل أن تجود السماء بالمطر، في ظل نقص الدعم الحكومي والحلول المستدامة التي يمكن أن تنتشلهم من هذه الأزمة. وفي هذا السياق، يتساءل العديد من الخبراء والمراقبين عن الأسباب التي تقف وراء هذا الخلل الكبير في توزيع الموارد، وعن الأدوار التي يلعبها أصحاب القرار في توجيه سياسات الدولة لخدمة فئات محددة على حساب الأغلبية.


"المخطط الأسود" كما يطلق عليه البعض، لا يعبر فقط عن سوء توزيع المياه، بل يعكس أيضًا سياسة اقتصادية وزراعية تسعى لتحقيق مكاسب سريعة لصالح المستثمرين الكبار، على حساب صغار الفلاحين الذين يمثلون العمود الفقري للزراعة في المغرب. هؤلاء الفلاحون الذين يعتمدون على "الأراضي البور" يشكلون الجزء الأكبر من اليد العاملة في القطاع الزراعي، ورغم ذلك، فهم الأكثر تضررًا من الأزمة المائية الحالية.


المعضلة تكمن في أن هذه السياسة الزراعية المعتمدة تركز على تطوير مساحات صغيرة من الأراضي عبر استنزاف الموارد المائية بشكل غير مستدام، بينما تُترك المساحات الكبرى لمصيرها في انتظار الأمطار. وإذا استمر هذا النهج، فإن البلاد مهددة بتفاقم أزمة الغذاء وزيادة الفجوة بين الفلاحين الكبار والصغار، مما قد يؤدي إلى تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة.


إن الوضع الراهن يتطلب مراجعة شاملة لسياسات توزيع المياه في المغرب، والبحث عن حلول جذرية تضمن استخدامًا عادلاً ومستدامًا لهذه الموارد. كما يستدعي الأمر تعزيز الاستثمارات في البنى التحتية للمياه وتقنيات الري الحديثة التي يمكن أن تحسن من إنتاجية الأراضي البور دون استنزاف الموارد المائية.


في النهاية، يبقى السؤال: هل يمكن للمغرب تجاوز هذه الأزمة عبر سياسات رشيدة تخدم جميع الفلاحين، أم أن "المخطط الأسود" سيظل وصمة على جبين السياسات الزراعية في البلاد؟


نوت بريس
الكاتب :