الجزائر - في خطوة جديدة تسلط الضوء على التوترات المتصاعدة بين الحكومة الجزائرية والمعارضة السياسية، أقدمت الشرطة الجزائرية على اعتقال المعارض البارز فتحي غراس صباح اليوم الثلاثاء، واقتياده إلى مكان مجهول. هذه الحادثة، التي أثارت ردود فعل واسعة النطاق من قبل نشطاء حقوق الإنسان والمعارضة السياسية، تأتي وسط مناخ من القمع المتزايد للأصوات المعارضة في الجزائر، مما يعزز المخاوف من تراجع الحريات في البلاد.
اعتقال وسط غموض
بحسب ما أفادت زوجته مسعودة شاب الله، تم اعتقال غراس من منزله العائلي في الساعة العاشرة صباحاً من قبل ثلاثة رجال شرطة يرتدون الزي المدني. وقالت شاب الله في مقطع فيديو نشرته عبر صفحتها على فيسبوك، إن الشرطة لم تقدم أي استدعاء رسمي عند اعتقال زوجها، وأخبرتهم فقط بأنه سيتم نقله إلى مركز الشرطة المركزي في وسط العاصمة الجزائرية. ومع ذلك، عندما ذهبت شاب الله إلى المركز للبحث عنه، قيل لها إنه غير موجود هناك، مما دفعها للقول إن "فتحي غراس تم اختطافه" وأنها لا تعرف مكان احتجازه.
هذا الحادث ليس الأول من نوعه بالنسبة لغراس، الذي يُعد من الأصوات المعارضة البارزة في الجزائر. فقد سبق أن تعرض للاعتقال في يونيو/حزيران 2021، حيث حكم عليه بالسجن لمدة عامين بتهم تتعلق بالإساءة إلى رئيس الجمهورية، وإهانة هيئة نظامية، ونشر معلومات كاذبة. وعلى الرغم من تخفيف الحكم في الاستئناف إلى عام واحد، أمضى غراس تسعة أشهر في السجن قبل إطلاق سراحه في مارس/آذار 2022.
تاريخ من النضال السياسي
فتحي غراس، الذي يبلغ من العمر 49 عاماً، هو ناشط سياسي معروف بانتمائه لليسار العلماني في الجزائر. انخرط في الحياة السياسية منذ سنوات، وكان من بين الشخصيات التي لعبت دوراً بارزاً في الحراك الشعبي الذي اندلع في 2019، والذي طالب بالإصلاحات الديمقراطية ورحيل النظام السياسي القائم. يتزعم غراس حالياً "الحركة الديمقراطية والاجتماعية"، وهو حزب ذو جذور تاريخية تعود إلى الحزب الشيوعي الجزائري الذي نشط خلال فترة الاستعمار الفرنسي، ثم تحول إلى "حزب الطليعة الاشتراكية" قبل أن يتم تجميد نشاطه من قبل القضاء الجزائري في وقت سابق.
يعد غراس من بين الشخصيات التي لم تتردد في انتقاد سياسات الرئيس عبدالمجيد تبون، مشيراً إلى ما يصفه بـ"النفاق السياسي" الذي يمارسه النظام الحالي تحت شعار "الجزائر الجديدة". وفي تصريحاته العلنية، لطالما ركز على قضايا الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان، مشدداً على ضرورة تحقيق تغيير حقيقي في النظام السياسي الجزائري.
ردود فعل محلية ودولية
أثار اعتقال غراس ردود فعل سريعة من قبل منظمات حقوقية ونشطاء سياسيين داخل الجزائر وخارجها. اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، التي تتابع قضايا المعتقلين السياسيين في الجزائر، أكدت في بيان لها توقيف غراس ونقله إلى مركز الشرطة الرئيسي في وسط العاصمة. غير أن الغموض الذي يكتنف مكان احتجازه والاتهامات المتكررة بـ"اختطاف" المعارضين أثار قلق العديد من المراقبين.
منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية أبدت قلقها العميق إزاء تصاعد حملة القمع ضد الأصوات المعارضة في الجزائر. فقد أصدرت عدة منظمات، من بينها "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، بيانات تدين فيها اعتقال غراس وتطالب السلطات الجزائرية بالكشف عن مكان احتجازه وضمان حقوقه القانونية. كما دعت هذه المنظمات إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ووقف الممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان.
تصاعد القمع في "الجزائر الجديدة"
الجزائر، التي شهدت في السنوات الأخيرة تزايداً في حالات الاعتقال والمحاكمات ذات الطابع السياسي، أصبحت محط انتقادات متزايدة من قبل المجتمع الدولي. منذ توليه الرئاسة في ديسمبر/كانون الأول 2019، تحدث الرئيس عبدالمجيد تبون مراراً عن بناء "الجزائر الجديدة"، مشدداً على أهمية تعزيز الحريات وضمانها. ومع ذلك، تتناقض هذه الوعود مع الواقع على الأرض، حيث تشير التقارير الحقوقية إلى تصاعد القمع وتضييق الخناق على الإعلام المستقل ومنظمات المجتمع المدني.
العديد من النشطاء والإعلاميين يقبعون حالياً في السجون الجزائرية بتهم تتعلق بمواقفهم السياسية أو انتقاداتهم العلنية لسياسات الحكومة. وتواجه المنظمات الحقوقية التي توثق هذه الانتهاكات تحديات كبيرة، بما في ذلك المضايقات القانونية والملاحقات القضائية لأعضائها.
مستقبل غامض
اعتقال فتحي غراس يضيف المزيد من الغموض حول مستقبل المعارضة السياسية في الجزائر، حيث يتزايد القلق من أن البلاد تتجه نحو مزيد من الاستبداد. ومع استمرار الحكومة في تجاهل الدعوات الدولية لاحترام حقوق الإنسان وضمان الحريات الأساسية، يظل السؤال مطروحاً حول مدى قدرة الجزائر على تحقيق التغيير الديمقراطي الذي ينشده العديد من مواطنيها.
في ظل هذا السياق، يبدو أن المعارضة الجزائرية تواجه تحديات غير مسبوقة، حيث لا تقتصر المعركة فقط على مواجهة القمع، بل تشمل أيضاً النضال من أجل الحفاظ على مساحة للتعبير والمشاركة السياسية في بلد يبدو أنه يسير في طريق العودة إلى ممارسات القمع القديمة.
