في حادثة غير مسبوقة هزّت الأوساط الرسمية في المغرب، فرّ 34 مفتشًا من جهاز مكافحة الفساد أثناء إيفادهم إلى دورة تدريبية دولية، مما يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول جدية برامج مكافحة الفساد، وإدارة الموارد البشرية في المؤسسات الحكومية
الحادثة: تفاصيل صادمة
كشفت مصادر مطلعة أن مجموعة من 34 مفتشًا مغربيًا، جرى اختيارهم بعناية من قبل الهيئات الوطنية لمكافحة الفساد، تلقوا دعوة لحضور دورة تدريبية في إحدى الدول الأوروبية بهدف تعزيز مهاراتهم في مجال الحوكمة والشفافية ومكافحة الرشوة. لكن المفاجأة كانت عندما قرروا بشكل جماعي عدم العودة إلى المغرب، مفضلين البقاء في الخارج.
بدأت القصة عندما تم تنظيم هذه الدورة كجزء من برنامج تعاون بين الحكومة المغربية وإحدى المنظمات الدولية المتخصصة في مكافحة الفساد. إلا أنه وبعد انتهاء الدورة، لم يعد المفتشون إلى المغرب، بل اختاروا استغلال وجودهم في دولة أوروبية لطلب اللجوء السياسي أو البقاء بطرق غير قانونية.
ما وراء الفرار: فساد النظام أم بيئة العمل؟
المثير في هذه الواقعة هو التناقض بين كون هؤلاء المفتشين مكلفين بمحاربة الفساد وقيامهم بعملية خيانة لواجبهم المهني. ولكن، هل يمكن اعتبار فرارهم شكلاً من أشكال الفساد؟ أم أنه يعكس مشاكل أعمق في هيكلية النظام الذي يعملون فيه؟
وفقًا لبعض التقارير، يُعاني هؤلاء المفتشون من ظروف عمل غير مواتية في المغرب، بما في ذلك ضغوط إدارية، رواتب منخفضة، وعدم توفير الدعم الكافي لممارسة مهامهم الشاقة. يُضاف إلى ذلك المخاوف من غياب الحماية اللازمة لهم أثناء تأدية واجبهم، في بيئة مليئة بالفساد الذي قد يصل إلى مستويات عليا داخل النظام الحكومي.
تداعيات الفضيحة: هل من محاسبة؟
الفضيحة تركت أثراً سلبياً على صورة المغرب دوليًا، خاصة فيما يتعلق بجهوده المعلنة لمكافحة الفساد. تُثار الآن تساؤلات حول كيفية اختيار وتدريب هؤلاء المفتشين، ومدى الجدية التي تُعطى لمسألة النزاهة المهنية في الأجهزة الرقابية.
من المتوقع أن تُشكل هذه الحادثة ضغطًا على الحكومة المغربية للرد بشكل صارم، سواء من خلال إجراءات تأديبية لمنع تكرار هذا السيناريو، أو من خلال مراجعة سياساتها تجاه هؤلاء الموظفين، وإعادة تقييم برامج التدريب والإيفاد إلى الخارج.
الشق القانوني: هل هو لجوء سياسي أم تهرّب وظيفي؟
من ناحية قانونية، قد يواجه المفتشون الهاربون اتهامات بالتهرّب الوظيفي أو حتى الخيانة العظمى لو تم النظر إلى هذا التصرف من زاوية تأثيره السلبي على أمن الدولة ومصداقيتها في محاربة الفساد. إلا أن طلبهم اللجوء السياسي في البلد الأوروبي قد يعقد المسألة ويخلق صراعًا قانونيًا بين البلدين.
القوانين الدولية تحمي الأشخاص الذين يثبت تعرضهم للاضطهاد في بلدهم الأصلي، مما يعني أن هؤلاء المفتشين قد يدّعون أنهم كانوا ضحية ضغوط أو تهديدات بسبب عملهم في مجال مكافحة الفساد.
ما الحلول المستقبلية؟
بعد هذا الحدث، يبدو أن المغرب بحاجة إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتعزيز الثقة في مؤسساته الرقابية ومكافحة الفساد من الداخل. يمكن أن تشمل هذه الحلول:
1. تحسين بيئة العمل: من الضروري تحسين الظروف المهنية للمفتشين العاملين في مجال مكافحة الفساد من حيث الرواتب، والحماية القانونية، والدعم النفسي.
2. التدريب المحلي: بدلاً من الاعتماد الكامل على الدورات التدريبية الخارجية، يجب تطوير برامج تدريب محلية أكثر شمولًا تعزز الولاء للوطن وتحد من فرص الهروب.
3. تعزيز الرقابة الداخلية: إنشاء آليات رقابية داخلية تتابع أداء الموظفين وتقيّم مدى استعدادهم لتحمل المسؤولية قبل إيفادهم إلى مهام دولية.
4. تطوير نظام الحماية للمبلغين عن الفساد: يتعين على المغرب النظر في تعزيز الحماية القانونية للمفتشين والمبلغين عن الفساد كي لا يشعروا بالتهديد من نتائج أعمالهم.
حادثة فرار المفتشين المغاربة المختصين في مكافحة الفساد تسلط الضوء على تحديات كبرى تواجه المؤسسات الرقابية في البلاد، وتعكس مدى الحاجة إلى إصلاحات هيكلية تضمن أن يكون العاملون في هذا المجال على قدر من النزاهة والمسؤولية. في الوقت نفسه، تظهر هذه الحادثة أن مكافحة الفساد ليست مسألة أدوات وتشريعات فحسب، بل تتعلق أيضًا بتوفير بيئة آمنة ومحفزة للموظفين المكلفين بتنفيذ هذه المهمة الصعبة.