الجزائر وتفويض الانضمام إلى بنك التنمية التابع للبريكس: خطوة غير مكتملة في تحقيق الطموحات الدولية

data:post.title


في الأسابيع الأخيرة، تصدرت الجزائر عناوين الصحف بعد أن حصلت على تفويض للانضمام إلى بنك التنمية التابع لمجموعة البريكس، وهو ما أُعتبر خطوة مهمة على الساحة الدولية. غير أن هذا التفويض لم يكن بمثابة الانضمام الكامل الذي كانت تطمح إليه الجزائر. وعلى الرغم من الحماس الأولي، سرعان ما أعلن الرئيس الجزائري أن "البريكس صفحة وانطوت"، مما يشير إلى أن الجزائر قد تكون غير راضية عن هذه النتيجة. يهدف هذا المقال إلى استقصاء خلفيات هذا التطور، وتقييم تداعياته على السياسة الخارجية الجزائرية، وكذلك استكشاف الفرق بين "التفويض" و"الانضمام الكامل"، مع تسليط الضوء على تأثير هذا القرار على المشهد السياسي والاقتصادي في الجزائر.

 خلفية تاريخية وسياق سياسي

 1. البريكس ككتلة اقتصادية

مجموعة البريكس (BRICS) تتكون من خمس دول رئيسية: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا. تشكل هذه الدول قوة اقتصادية وسياسية مهمة على الساحة العالمية، إذ تمتلك جميعها اقتصادات ناشئة وتساهم في نسبة كبيرة من النمو الاقتصادي العالمي. منذ تأسيسها، هدفت المجموعة إلى خلق توازن عالمي جديد بعيداً عن الهيمنة الغربية، وتقديم بدائل للنظام المالي الدولي القائم.

 2. الجزائر وسعيها للانضمام

منذ فترة طويلة، تسعى الجزائر إلى تعزيز دورها على الساحة الدولية وتوسيع شراكاتها الاقتصادية والسياسية. بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي ومواردها الطبيعية الوفيرة، ترى الجزائر في مجموعة البريكس فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، وكسر هيمنة الشركاء التقليديين من الغرب على اقتصادها. انضمام الجزائر إلى البريكس كان يمكن أن يعزز هذه الأهداف بشكل كبير، ولكن الحصول على تفويض فقط للانضمام إلى بنك التنمية كان دون الطموحات المنتظرة.

 الفرق بين التفويض والانضمام الكامل

 1. التفويض: مفهوم محدود

التفويض الذي حصلت عليه الجزائر يعني ببساطة أن الدولة قد حصلت على موافقة للانضمام إلى جانب محدد من المنظمة، في هذه الحالة بنك التنمية التابع للبريكس. هذا التفويض يتيح للجزائر المشاركة في بعض الأنشطة أو الاستفادة من بعض الفرص الاقتصادية، ولكن بدون تمتعها بالعضوية الكاملة في مجموعة البريكس.

في سياق البريكس، التفويض قد يعني أن الجزائر يمكنها المشاركة في بعض المبادرات التنموية أو الحصول على قروض بشروط ميسرة، ولكنها لن تكون جزءاً من هيكل اتخاذ القرار الأوسع للمجموعة، ولن يكون لها نفس التأثير السياسي الذي تتمتع به الدول الأعضاء الكاملين.

 2. الانضمام الكامل: الطموح الأكبر

على النقيض من ذلك، الانضمام الكامل كان سيمنح الجزائر مقعداً على طاولة مجموعة البريكس، مما يمكنها من المشاركة في جميع القرارات الاقتصادية والسياسية التي تتخذها المجموعة. كان من الممكن أن يعزز ذلك من قدرتها على الدفاع عن مصالحها الوطنية في مواجهة التحديات الدولية، وتوسيع نطاق تعاونها مع الدول الأعضاء الآخرين في البريكس في مجالات متعددة.

تداعيات عدم الرضا الجزائري

1. خيبة الأمل الدبلوماسية

إعلان الرئيس الجزائري أن "البريكس صفحة وانطوت" يعكس خيبة أمل واضحة من النتيجة النهائية. هذا التصريح يشير إلى أن الجزائر كانت تسعى لتحقيق مكاسب أكبر من مجرد تفويض للانضمام إلى بنك التنمية. يمكن أن يكون هذا الإحباط ناتجاً عن إدراك الجزائر بأن التفويض ليس كافياً لتحقيق أهدافها الاستراتيجية وأنه لن يوفر لها القوة السياسية والاقتصادية المطلوبة لتعزيز موقعها على الساحة الدولية.


 2. التحديات الداخلية والاقتصادية

الجزائر تواجه تحديات اقتصادية داخلية تتطلب حلولاً جذرية وتنويعاً لمصادر الدخل. في هذا السياق، كانت تأمل الجزائر أن يكون الانضمام إلى البريكس بمثابة فرصة لتنويع شركائها التجاريين والاستفادة من التجارب التنموية للدول الأعضاء. عدم الحصول على العضوية الكاملة قد يضعف من زخم الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة ويحد من فرص النمو الاقتصادي الذي كانت تأمل الجزائر في تحقيقه عبر تعاون أعمق مع دول البريكس.

3. التأثير على السياسة الخارجية

قد يؤدي هذا التطور إلى إعادة تقييم الجزائر لعلاقاتها الدولية واستراتيجياتها الخارجية. الجزائر قد تسعى الآن إلى تعزيز علاقاتها مع شركاء آخرين خارج إطار البريكس، أو ربما تعيد التفكير في كيفية الاستفادة من علاقتها مع الدول الأعضاء في البريكس بشكل غير رسمي. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر هذه التجربة على مساعي الجزائر المستقبلية للانضمام إلى منظمات دولية أخرى.

ماذا بعد؟ السيناريوهات المستقبلية

1. التوجه نحو شركاء جدد

مع خيبة الأمل من نتائج محاولة الانضمام إلى البريكس، قد تسعى الجزائر إلى تعزيز علاقاتها مع شركاء تقليديين مثل الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، أو ربما تستكشف فرصاً جديدة مع دول في آسيا أو أفريقيا. هذا التوجه قد يشمل التوقيع على اتفاقيات تجارية جديدة أو زيادة التعاون في مجالات مثل الطاقة أو التكنولوجيا.

 2. التحسين الداخلي والإصلاحات

من المحتمل أن تقود هذه التجربة الجزائر إلى التركيز أكثر على الإصلاحات الاقتصادية الداخلية التي تجعلها أكثر جاذبية للشراكات الدولية. قد يشمل ذلك تحسين بيئة الاستثمار، وتنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط والغاز، وزيادة شفافية الإدارة الاقتصادية.

 3. الانفتاح على فرص البريكس مستقبلاً

على الرغم من الإعلان بأن "الصفحة انطوت"، قد تظل الجزائر منفتحة على فرص مستقبلية مع البريكس. إذا تغيرت الظروف أو تم تقديم عرض أفضل، قد تجد الجزائر أن العودة إلى طاولة المفاوضات مع البريكس ممكنة. ولكن ذلك سيتطلب تغييراً في الاستراتيجية وتحديد أهداف أكثر واقعية تتماشى مع ما يمكن أن تقدمه مجموعة البريكس.

تعتبر محاولة الجزائر للانضمام إلى مجموعة البريكس درساً في كيفية إدارة الطموحات الدولية والتعامل مع نتائج التفاوض عل المستوى العالمي. بينما لم تحقق الجزائر ما كانت تطمح إليه من عضوية كاملة، فإن التفويض الذي حصلت عليه قد يوفر لها بعض الفرص، وإن كانت محدودة. المستقبل سيوضح ما إذا كانت الجزائر ستتمكن من تحويل هذه التجربة إلى نقطة انطلاق نحو تحقيق أهدافها الدولية بطريقة أكثر فعالية أو ستظل تنظر إلى الفرص الضائعة 

نوت بريس
الكاتب :