المنصوري ترفض الكشف عن "لائحة العائلات الثرية": من يستفيد من أموال الدولة في مدينة سلا؟

data:post.title

في مشهد سياسي يثير الكثير من التساؤلات والجدل، رفضت وزيرة إعداد التراب الوطنيفي  والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، الكشف عن أسماء عائلات ثرية ومعروفة بمدينة سلا استفادت من أموال الدولة المخصصة لإصلاح المنازل في المدن العتيقة. هذا الرفض يأتي في سياق مشروع حكومي كبير يسعى لإعادة تأهيل البنية التحتية وتحسين ظروف السكن في المدن العتيقة بالمغرب، وهو مشروع خصصت له الدولة موارد مالية ضخمة، تقدر بمئات الملايين من الدراهم.

سياق الإصلاحات الحكومية

مشروع إصلاح وترميم المنازل في المدن العتيقة، الذي انطلق قبل سنوات، كان يهدف إلى تحسين ظروف المعيشة لسكان هذه المناطق، والحفاظ على التراث المعماري العريق الذي يميز المدن المغربية مثل فاس، مراكش، سلا، والرباط. الحكومة، ومن خلال هذا المشروع، رصدت ميزانية هائلة لتحسين المنازل التي تعاني من تهالك البنية التحتية، والتي تمثل خطراً على ساكنيها وعلى التراث المعماري على حد سواء.

 شبهة الاستفادة غير المستحقة

ومع تقدم العمل في هذا المشروع، بدأت تظهر علامات استفهام حول كيفية توزيع هذه الأموال، ومن هي الجهات المستفيدة منها. وقد أثيرت اتهامات بوجود تلاعبات ومحسوبية في توزيع هذه الموارد، حيث استغلت عائلات ثرية معروفة في سلا الوضع لتحسين ممتلكاتها العقارية الخاصة بأموال الدولة، التي كان من المفترض أن تستهدف الأسر المحتاجة فقط.

ورغم مطالبة العديد من الجهات، بما في ذلك نشطاء المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية، بكشف قائمة المستفيدين من هذا البرنامج، إلا أن الوزيرة المنصوري أصرت على رفضها الكشف عن الأسماء، مما زاد من حدة الشكوك حول وجود مصالح متشابكة بين بعض النخب والسلطات الحكومية.

 لماذا الرفض؟

تبرر المنصوري رفضها بضرورة الحفاظ على خصوصية الأفراد وعدم نشر معلومات قد تؤدي إلى "تشويه السمعة" دون وجود أدلة قاطعة على ارتكاب مخالفات قانونية. إلا أن هذا التبرير لم يقنع الكثيرين الذين يرون في الشفافية ضرورة لكشف أي فساد محتمل، خاصة عندما يتعلق الأمر بإدارة المال العام.

إن رفض الوزيرة الكشف عن هذه القائمة يتناقض مع مطالب المجتمع المغربي المتزايدة بالمزيد من الشفافية والمحاسبة في إدارة الشأن العام. ففي ظل تزايد الدعوات لمحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، يصبح من الضروري معرفة كيفية توزيع الموارد العامة، وضمان وصولها إلى الفئات المستحقة.

 آثار الرفض على المشهد السياسي

هذا الموقف أثار موجة من الانتقادات من قبل المعارضة وبعض وسائل الإعلام، التي اعتبرت أن رفض الوزيرة قد يؤدي إلى تعميق فجوة الثقة بين الحكومة والمواطنين. وفي بلد يعاني من تفاوت اجتماعي كبير، فإن أي شبهة حول سوء إدارة المال العام يمكن أن تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

ورغم أن الحكومة تحاول جاهدة تعزيز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، إلا أن مثل هذه القضايا تساهم في تقويض تلك الجهود. ويعتبر البعض أن هذه الخطوة قد تكون بمثابة اختبار للحكومة ولقدرتها على مواجهة الفساد والمحاسبة.

ردود الأفعال

في الأوساط السياسية والمدنية، تباينت ردود الأفعال حول موقف المنصوري. فقد دعت بعض المنظمات الحقوقية والهيئات المستقلة إلى فتح تحقيق شامل في هذا الملف، مع التأكيد على ضرورة نشر جميع المعطيات المتعلقة بهذا المشروع بشكل شفاف.

من جهة أخرى، عبرت بعض الأطراف القريبة من الحكومة عن دعمها لموقف الوزيرة، معتبرة أن الكشف عن أسماء قد يؤدي إلى تسييس القضية بشكل غير عادل، ويضع ضغوطًا غير مبررة على الحكومة في ظل محاولاتها لتحقيق الإصلاح.

الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات

تثير هذه القضية عدة أسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة: كيف تم اختيار المستفيدين من مشروع إصلاح المنازل؟ هل كانت هناك آليات رقابة فعالة تضمن توجيه الأموال إلى الفئات الأكثر حاجة؟ وما هي الخطوات التي ستتخذها الحكومة لضمان عدم تكرار مثل هذه الشبهات في المستقبل؟

الأسئلة تتزايد يوماً بعد يوم، والضغط على الحكومة وعلى الوزيرة المنصوري على وجه الخصوص، قد يؤدي إلى إعادة النظر في الكثير من السياسات الحالية. فالمواطن المغربي اليوم أصبح أكثر وعيًا بمسألة الشفافية والمحاسبة، ولن يقبل بسهولة أي محاولات للتستر على الفساد أو المحاباة.

 في انتظار الحقيقة

في انتظار تحقيقات مستقلة أو مبادرات حكومية جديدة لطمأنة الرأي العام، تبقى هذه القضية مفتوحة على كل الاحتمالات. وفي ظل الضغوط المتزايدة، قد تجد الحكومة نفسها مضطرة لتقديم تفسيرات أكثر وضوحًا وإقناعًا. وما بين مطالب الكشف عن الحقيقة ومخاوف تسييس القضية، يبقى السؤال الأكبر: من سيضع حداً لاستغلال المال العام؟ وهل ستكون هناك مساءلة حقيقية؟

بينما يتابع الجميع هذه التطورات عن كثب، يبقى الأمل معقودًا على أن تتحقق الشفافية المطلوبة وأن يتم توجيه المال العام بشكل عادل ومسؤول. ففي نهاية المطاف، فإن تحسين المدن العتيقة لا يجب أن يكون على حساب المساواة والعدالة الاجتماعية، بل يجب أن يعكس التزام الحكومة بتحقيق التنمية الشاملة والمنصفة لكل المواطنين. 

نوت بريس
الكاتب :