شهدت العلاقات المغربية-الإسبانية تطورات ملحوظة في العقد الأخير، حيث يتشارك البلدان تحديات متشعبة تتعلق بقضايا الهجرة غير الشرعية، الأمن، التجارة، والتعاون الإقليمي. في هذا السياق، تظهر قوى إقليمية ودولية تسعى إلى استغلال نقاط الضعف في هذه العلاقة لخدمة مصالحها الاستراتيجية. بين هذه الأطراف، يُطرح سؤال حيوي: هل تسعى الجزائر وفرنسا بالفعل إلى استهداف العلاقات المغربية-الإسبانية عبر استخدام ورقة الهجرة؟
العلاقة المغربية-الإسبانية: تعاون أم تصادم؟
العلاقات بين المغرب وإسبانيا تعتمد على توازن معقد يدمج بين الشراكة الاقتصادية والتعاون الأمني من جهة، والملفات الحساسة كالهجرة والصحراء المغربية من جهة أخرى. لعب المغرب دوراً رئيسياً في مكافحة الهجرة غير الشرعية، حيث يعتمد الاتحاد الأوروبي على الرباط لضبط الحدود الجنوبية للقارة الأوروبية. بالمقابل، يُتوقع من إسبانيا ودول الاتحاد الأوروبي تقديم دعم مالي وسياسي لتعزيز استقرار المغرب وقدرته على التعامل مع تلك التحديات.
غير أن هذه العلاقة لم تخلُ من الأزمات. فقد شهدت في بعض الفترات توترات حول قضايا السيادة الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالصحراء المغربية، والتي تظل نقطة توتر بين البلدين. إضافةً إلى ذلك، تبرز ملفات أخرى كمناطق الجيوب الإسبانية في سبتة ومليلية، ما يجعل العلاقة بين البلدين رهينة لتوازنات دقيقة ومعقدة.
الجزائر: استخدام ورقة الهجرة لضرب العلاقات؟
لا يمكن فصل الدور الجزائري في التأثير على العلاقات المغربية-الإسبانية عن التوتر المستمر بين الرباط والجزائر. فمنذ عقود، تلعب الجزائر دورًا مؤثرًا في دعم جبهة البوليساريو، مما يؤجج النزاع حول الصحراء االمغربية. وقد ازدادت حدة التوترات بين الجزائر والمغرب بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 2021.
فيما يخص ملف الهجرة، يمكن القول بأن الجزائر تسعى إلى استغلال ورقة الهجرة لإحراج المغرب وإظهار فشله في إدارة الحدود الجنوبية، خاصة في سياق التعاون المغربي-الإسباني. بعض التقارير تشير إلى أن الجزائر قد تكون متورطة في تسهيل حركة المهاجرين عبر حدودها إلى المغرب في محاولة لخلق ضغوط إضافية على السلطات المغربية والإسبانية. الهدف قد يكون ضرب الثقة بين الرباط ومدريد وتعكير صفو التعاون الثنائي في ملف الهجرة الذي يعد من أبرز أركان العلاقة بين البلدين.
فرنسا: بين المصالح الاقتصادية والسياسية
فرنسا، الحليف التقليدي للمغرب، تلعب دوراً مزدوجاً في المنطقة. فباريس تعتمد على التعاون مع المغرب في قضايا الأمن والهجرة، ولكنها في الوقت ذاته تمتلك مصالح مع الجزائر، خاصة فيما يتعلق بالطاقة والسياسة الإقليمية.
الضغط الفرنسي على العلاقات المغربية-الإسبانية قد ينبع من قلق باريس من تحسن العلاقات الثنائية بين البلدين على حساب مصالحها الإقليمية. مع أن فرنسا لم تظهر بشكل علني أنها تستهدف تلك العلاقات، إلا أن بعض الخطوات الدبلوماسية، مثل تأخر الدعم الفرنسي للموقف المغربي في الصحراء، يمكن تفسيرها كجزء من لعبة سياسية معقدة تسعى فيها باريس إلى الحفاظ على توازن مصالحها بين الرباط والجزائر.
الاتحاد الأوروبي ودوره في العلاقات المغربية-الإسبانية
دور الاتحاد الأوروبي لا يمكن تجاهله في أي نقاش حول العلاقات المغربية-الإسبانية. فالاتحاد يولي اهتماماً كبيراً للحفاظ على استقرار العلاقات بين المغرب وإسبانيا، نظراً لكون المغرب شريكاً استراتيجياً في محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. كما أن إسبانيا تلعب دور البوابة الجنوبية لأوروبا، وبالتالي فإن أي اضطراب في العلاقة مع المغرب يمكن أن ينعكس بشكل مباشر على الأمن القومي الأوروبي.
مع ذلك، يبقى الاتحاد الأوروبي عرضة للتأثيرات الخارجية، سواء من الجزائر أو فرنسا أو حتى أطراف أخرى تسعى إلى تحريف بوصلة العلاقات لصالحها.
هل ستنجح محاولات الاستهداف؟
يبدو أن العلاقة المغربية-الإسبانية، رغم التحديات، لا تزال قوية ومبنية على مصالح مشتركة يصعب تجاوزها. سواء كانت الجزائر أو فرنسا تسعيان بالفعل إلى استهداف تلك العلاقة، يبقى السؤال الأهم هو مدى قدرة البلدين على تجاوز الضغوط الخارجية والاستمرار في تعزيز التعاون الذي يخدم مصالحهما المشتركة.
الهجرة غير الشرعية ستظل ورقة مهمة في المعادلة الإقليمية، ولكن الرهان الأكبر سيكون على قدرة المغرب وإسبانيا على إدارة تلك الملفات بحكمة وتعزيز الشراكة الاستراتيجية رغم كل المحاولات التي تسعى إلى تعكير صفو العلاقات بين البلدين.
التحليل النهائي: العلاقات المغربية-الإسبانية تبدو محصنة بشكل كافٍ أمام الضغوط الخارجية، سواء من الجزائر أو فرنسا. ولكن يجب على البلدين الاستمرار في تعزيز الحوار والتعاون لضمان استقرار طويل الأمد، مع وعي تام بأدوار الأطراف الأخرى في المنطقة.