يعيش المغرب اليوم حالة من التحولات السياسية المعقدة، مع تزايد التنافس بين تيارات مختلفة، تتراوح من الإسلام السياسي إلى النفوذ الإسرائيلي واليساريين التابعين للمدرسة الفرنسية. هذا الصراع لا يظهر فقط في الساحة السياسية بل يمتد إلى التحكم في مفاصل الدولة والتأثير على النظام الملكي.
التيار الإسرائيلي: نفوذ جديد يسيطر على مفاصل الدولة
أحد أبرز التحولات السياسية التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة هو ظهور تيار سياسي مقرب من إسرائيل، والذي أصبح يسيطر على العديد من مفاصل الدولة. يتصدر هذا التيار وجوه سياسية بارزة مثل فؤاد علي الهمة، الذي يعد مستشارًا للملك محمد السادس، وعبد اللطيف وهبي، وزير العدل الحالي، وعزيز أخنوش، رئيس الحكومة. هؤلاء الشخصيات يمسكون بأهم الوزارات والقطاعات الحيوية في البلاد، ما جعلهم قوة لا يستهان بها.
النشاط الإسرائيلي في المغرب بدأ يظهر علناً بعد اتفاقات التطبيع التي تم توقيعها في ديسمبر 2020 بين المغرب وإسرائيل. هذا التحالف الجديد منح التيار الإسرائيلي قدرة أكبر على التأثير في السياسات الداخلية والخارجية للمغرب. ويعتبر بعض المحللين أن هذا النفوذ يمثل تهديدًا كبيرًا للتوازن الداخلي، حيث يسعى هذا التيار إلى إعادة تشكيل الهوية الوطنية من خلال تعزيز العلاقات مع إسرائيل، وهو ما يعتبره البعض خروجًا عن الهوية المغربية المتجذرة في الثقافة الإسلامية والعربية.
التيار اليساري الفرنسي: المنافس القوي للتيار الإسرائيلي
بالموازاة مع هذا النفوذ المتزايد للتيار الإسرائيلي، هناك تيار يساري مدعوم من فرنسا يسعى أيضًا للسيطرة على مفاصل الدولة. هذا التيار اليساري يتمتع بدعم نخب فكرية وسياسية ذات توجهات ماركسية أو اشتراكية. من بين الشخصيات البارزة في هذا التيار نذكر عزيز غالي، الذي يتزعم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومحمد المهداوي الذي يعمل كصحفي وناشط سياسي.
هذا التيار يركز في طروحاته على محاربة الفساد والدفاع عن الحريات العامة، ويرى في التيار الإسرائيلي تهديدًا خطيرًا للقيم الديمقراطية والمصالح الوطنية. ومع ذلك، ورغم الاختلافات الأيديولوجية، يجد اليسار الفرنسي نقاط تلاقٍ مع الإسلام السياسي، خاصة فيما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية.
الإسلام السياسي في المغرب: انقسامات بين اليمين واليسار
الإسلام السياسي في المغرب، الذي كان لسنوات عديدة مهيمنًا على المشهد السياسي، يشهد هو الآخر حالة من الانقسام الداخلي. على رأس هذا التيار يأتي عبد الإله بنكيران، زعيم حزب العدالة والتنمية، الذي يصفه البعض بـ"الإسلامي اليميني". بنكيران يعتمد في قواعده الشعبية على حركة التوحيد والإصلاح ذات المرجعية الإسلامية.
ورغم الهزيمة الانتخابية التي مني بها حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2021، إلا أن بنكيران لا يزال يتمتع بشعبية واسعة في الشارع المغربي. يسعى بنكيران للعودة إلى الساحة السياسية من خلال استغلال القضايا الاجتماعية والاقتصادية الشائكة، ومن أبرزها ارتفاع الأسعار والبطالة، في محاولة لاستعادة ثقة الناخبين.
على الجانب الآخر، هناك فصيل آخر من الإسلاميين يميل إلى اليسار، ويمثله بدرجة ما جماعة العدل والإحسان. هذه الجماعة، التي تعارض النظام الملكي بشكل علني، لا تزال تحافظ على قاعدة شعبية قوية رغم التضييقات التي تتعرض لها. ورغم الخلافات الأيديولوجية، تجد هذه الجماعة أحيانًا تقاطعات مع اليسار الفرنسي في الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
تقاطعات بين التيارات المختلفة: فلسطين والقضايا المشتركة
رغم التباينات الأيديولوجية الكبيرة بين التيارات الثلاثة، إلا أن هناك بعض القضايا التي تجمع بينهم، لعل أبرزها القضية الفلسطينية. الدعم الشعبي الواسع للقضية الفلسطينية في المغرب يجعل من الصعب على أي تيار سياسي أن يتجاهل هذه المسألة، وهو ما يخلق أحيانًا تحالفات غير متوقعة.
الإسلاميون اليمينيون واليساريون، ومعهم اليسار الفرنسي، يجدون في دعم القضية الفلسطينية مجالًا للتعاون، حتى لو كان هذا التعاون مؤقتًا ومحدودًا. في المقابل، يُتهم التيار الإسرائيلي بمحاولة التخفيف من أهمية القضية الفلسطينية في السياسة المغربية لصالح تعزيز العلاقات مع إسرائيل.
"تمغريبت": محاولة الإسلاميين العودة إلى السلطة
في ظل هذا المشهد المتشابك، يسعى الإسلاميون تحت شعار "تمغريبت" (أو الهوية المغربية) إلى العودة إلى السلطة. عبد الإله بنكيران وحزبه يعتبرون أنفسهم حماة الهوية المغربية الأصيلة ويرون في التيار الإسرائيلي تهديدًا لهوية المغرب الإسلامية والعربية. يحاول هذا التيار تعبئة الرأي العام ضد التطبيع مع إسرائيل ومن أجل إعادة الاعتبار للقيم الإسلامية.
مستقبل الصراع السياسي في المغرب
الصراع بين التيارات المختلفة في المغرب ليس مجرد تنافس سياسي على المقاعد الحكومية، بل هو صراع على هوية ومستقبل البلاد. التيار الإسرائيلي الذي يسعى إلى تغيير البوصلة السياسية نحو الغرب وإسرائيل، يواجه مقاومة شرسة من اليسار الفرنسي والإسلاميين الذين يرون في هذا التحول تهديدًا للنسيج الاجتماعي والثقافي للمغرب.
من الصعب التنبؤ بمن سيفوز في هذا الصراع، خاصة مع وجود متغيرات دولية وإقليمية مؤثرة. ولكن ما هو واضح أن المغرب يعيش مرحلة حساسة تتطلب توافقًا وطنيًا واسعًا لتفادي أية هزات اجتماعية أو سياسية قد تؤثر على استقراره في المستقبل.