في ظل الأجواء المشحونة بالجدل والانتقادات التي تطال تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي، يطرح تساؤل ملح حول سبب عدم تحرك النيابة العامة المغربية للتحقيق في تصريحات يعتبرها البعض إساءة للدين الإسلامي وإهانة للشعب المغربي. وفي هذا السياق، تثار تساؤلات حول مدى استقلالية النيابة العامة ومدى التزامها بتطبيق القانون على الجميع بدون استثناء، سواء كانوا مواطنين عاديين أو مسؤولين رفيعي المستوى.
تصريحات وهبي: إشكالية قانونية أم حرية تعبير؟
عبد اللطيف وهبي، وزير العدل وأمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، سبق وأن أدلى بتصريحات أثارت موجة من الانتقادات والجدل. بعض هذه التصريحات اعتبرها الشارع المغربي استفزازية وتمس بالمعتقدات الدينية. ورغم ذلك، لم نشهد أي تحرك من قبل النيابة العامة للتحقيق أو المساءلة، وهو ما يثير تساؤلات حول المعايير التي تعتمدها النيابة العامة في التدخل.
بحسب الدستور المغربي، وبالضبط الفصل 41، فإن الملك هو الضامن لحماية الدين الإسلامي. ويعتبر هذا الفصل من الدستور إطارًا قانونيًا يمكن الاستناد إليه للمطالبة بمحاسبة أي شخص يقوم بإهانة أو الإساءة للدين الإسلامي. بالإضافة إلى ذلك، ينص الفصل 25 على أن "حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها". لكن في المقابل، تُقيّد هذه الحرية بمسؤولية احترام الآخرين وعدم المساس بالمعتقدات الدينية.
النيابة العامة: بين الاستقلالية وازدواجية المعايير
تلعب النيابة العامة في المغرب دورًا أساسيًا في تحريك المتابعات القانونية ضد أي شخص يُشتبه في ارتكابه لجريمة ما، بما في ذلك جرائم الإهانة للدين أو التحريض على الكراهية. ورغم ذلك، فإن غياب التحرك في حالة وهبي يثير تساؤلات حول مدى استقلالية هذه المؤسسة.
من جهة أخرى، يلاحظ أن النيابة العامة تتدخل بصرامة في قضايا تتعلق بالمواطنين العاديين عندما يتعلق الأمر بمخالفات قانونية، في حين يبدو أن هناك نوعًا من الحصانة غير المعلنة للمسؤولين الحكوميين. هذا الوضع يثير الشكوك حول نزاهة وشفافية العمل القضائي في المغرب، ويعزز الشعور بأن القانون يُطبّق بشكل انتقائي، وأن المسؤولين قد يتمتعون بصلاحيات تتيح لهم الإفلات من المحاسبة.
الدستور والقانون: النصوص موجودة والتطبيق غائب؟
يضمن الدستور المغربي المساواة أمام القانون، كما ينص على مبدأ المحاسبة والشفافية في تسيير الشأن العام. ومع ذلك، فإن واقع الحال يشير إلى وجود فجوة بين ما تنص عليه القوانين وما يتم تطبيقه فعليًا. يمكن القول بأن هناك فجوة كبيرة بين النصوص القانونية المشرّعة وبين آليات تنفيذها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمسؤولين ذوي المناصب الرفيعة.
ويجب التأكيد على أن الدستور المغربي ينص على أن "المواطنين سواء أمام القانون" (الفصل 6)، وأنه "لا يمكن لأي مواطن أن يتذرع بجهله بالقانون" (الفصل 27). وبالتالي، فإن أي تأخر أو تقاعس من النيابة العامة في تطبيق القانون، يضع هذه الأخيرة أمام اختبار صعب يتعلق بمصداقيتها واستقلاليتها.
المساءلة والمواطنة: الحاجة إلى الشفافية والمساواة
إن المحاسبة والمساءلة تعدان ركنًا أساسيًا من أركان الديمقراطية وحكم القانون. وإذا كانت النيابة العامة فعلاً مؤسسة مستقلة كما ينص على ذلك الدستور، فيجب أن تطبق القانون على الجميع بدون استثناء. من هنا، تبرز الحاجة إلى تعزيز الشفافية في عمل النيابة العامة وضمان خضوع الجميع، بغض النظر عن مناصبهم أو سلطاتهم، لمبدأ المساواة أمام القانون.
إن إغفال التحقيق مع وهبي أو عدم اتخاذ أي إجراء ضده يُعتبر تقاعسًا يمس بجوهر العدالة ويُضعف الثقة في النظام القضائي المغربي. على النيابة العامة أن تتحمل مسؤولياتها كاملة وأن تظهر استقلاليتها من خلال تطبيق القانون بحيادية وبدون تمييز.
إلى أين نسير؟
في خضم هذا الجدل، يبقى السؤال قائماً: هل سيتحرك القضاء المغربي بشكل نزيه ومستقل لمساءلة عبد اللطيف وهبي، أم أن الوضع سيستمر على ما هو عليه، حيث تطبق القوانين بصرامة على المواطنين وتغض الطرف عن المسؤولين؟ إن الإجابة على هذا السؤال قد تشكل نقطة فاصلة في تاريخ العدالة المغربية، فإما أن تكون بداية لتعزيز دولة القانون أو علامة على استمرار الازدواجية واللامساواة.
