تصاعد الاتهامات الجزائرية: توظيف مزاعم التجسس لتحقيق مكاسب سياسية داخلية

data:post.title

في سياق يشهد تصاعد التوترات السياسية الداخلية والخارجية، أعلنت النيابة العامة الجزائرية في مدينة تلمسان عن تفكيك ما وصفته بـ "شبكة تجسس" تضم مواطنين مغاربة وجزائريين. يأتي هذا الإعلان في وقت حساس بالنسبة للجزائر، حيث تواجه الحكومة أزمة متزايدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في ظل عزوف شعبي ملحوظ. ولكن هل هذه المزاعم تحمل في طياتها أهدافًا أخرى غير تلك المعلنة؟ وهل يمكن أن يكون الحديث عن "التجسس" جزءًا من حملة دعائية أوسع تخدم أجندات داخلية؟

 تصعيد الاتهامات: نمط متكرر

لم يكن الإعلان عن تفكيك "شبكة التجسس" حدثًا معزولًا، بل يأتي كجزء من سلسلة اتهامات مماثلة ضد المغرب، منها اتهامات بالمسؤولية عن حرائق الغابات، تهريب المخدرات، وجلب إسرائيل إلى المنطقة. هذه الاتهامات، التي تكاد تتكرر في كل أزمة داخلية تمر بها الجزائر، توظف لتأجيج المشاعر الوطنية وتحويل الأنظار عن التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد.

يصف مراقبون هذا النمط من السلوك بأنه "هوس جزائري" بالمغرب، يستغله النظام العسكري لتحويل الأنظار عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة. في هذا السياق، يقول شوقي بن زهرة، الناشط السياسي الجزائري المعارض، إن "الحديث عن مؤامرات خارجية هو جزء من بروباغندا النظام الحاكم في الجزائر، يُستخدم لاحتواء التململ الداخلي وخلق عدو خارجي يوحد الشعب خلف الحكومة".

 خلفية الانتخابات: توقيت يحمل دلالات

الترويج لمزاعم التجسس في هذه الفترة بالذات لا يمكن فصله عن السياق السياسي الداخلي، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي يتوقع كثيرون أن تشهد نسبة عزوف قياسية. النظام الجزائري، الذي يواجه تراجعًا كبيرًا في شعبيته بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وارتفاع أسعار المواد الأساسية، يحاول جاهداً إيجاد وسائل لتعبئة الجماهير وضمان قدر من المشاركة في الانتخابات المقبلة.

يقول بن زهرة: "إطلاق اتهامات بالتجسس في هذا التوقيت يهدف إلى خلق حالة من الاستنفار الوطني، للتغطية على الغياب الكلي للاهتمام الشعبي بالانتخابات. هذا النمط من الخطاب ليس جديدًا، بل هو تكرار لتكتيكات سابقة استخدمها النظام لتعزيز قبضته على السلطة".

"نظرية المؤامرة": أداة قديمة تتجدد

الترويج لنظرية المؤامرة ليس بجديد على السياسة الجزائرية. عبر تاريخها، لجأت الأنظمة المتعاقبة إلى اتهام "أعداء خارجيين" بكل إخفاق داخلي، سواء كان اقتصاديًا أو سياسيًا. اليوم، يبدو أن المغرب قد أصبح "فزاعة" النظام الحالية، يُستخدم لتبرير الفشل في إدارة الأزمات الداخلية، وكوسيلة لإعادة توجيه الغضب الشعبي نحو عدو خارجي.

يشير بن زهرة إلى أن "النظام الجزائري يُصر على إقناع شعبه بأن المغرب هو سبب كل مشاكله، من الجفاف إلى ارتفاع الأسعار. هذا الخطاب الساذج يهدف إلى صرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية للأزمات، وهي الفشل في إدارة الدولة والفساد المستشري".

 رؤية نقدية: هل يتغير المشهد؟

على الرغم من محاولات النظام لاستغلال قضية التجسس لتعزيز شرعيته، فإن هناك أصواتًا داخل الجزائر تشكك في فعالية هذه الاستراتيجية على المدى الطويل. مع ازدياد الوعي السياسي بين شرائح واسعة من الشعب الجزائري، يبدو أن تأثير هذا النوع من الخطاب الدعائي آخذ في التراجع.

تختم بن زهرة بالقول: "في عالم اليوم، حيث تتطور تقنيات الاتصال والتجسس بشكل كبير، يبدو من السخيف الحديث عن جواسيس يتسللون عبر الحدود بشكل بدائي. النظام يواصل الاعتماد على هذه القصص للتلاعب بالرأي العام، لكنني أعتقد أن الناس باتوا أكثر وعيًا وأقل تأثرًا بهذه الأكاذيب".

في نهاية المطاف، يبقى السؤال مفتوحًا: إلى متى سيستمر النظام الجزائري في استخدام "فزاعة المغرب" لتغطية إخفاقاته الداخلية؟ وهل سيتقبل الشعب الجزائري هذه الروايات أم أنه سيبحث عن إجابات أخرى لأزماته المتفاقمة؟ يبدو أن الإجابة ستتضح أكثر مع اقتراب موعد الانتخابات ومع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي لم يعد بالإمكان إخفاؤها بشماعات خارجية. 

نوت بريس
الكاتب :