اقتصاد المغرب: تحديات المديونية وسوء التدبير المالي وتأثيرها على معيشة المواطنين

data:post.title


يعيش المغرب في السنوات الأخيرة وضعاً اقتصادياً مضطرباً، يتسم بتفاقم المديونية الداخلية والخارجية، وتزايد العجز في الميزانية العامة للدولة. هذا الوضع ناتج عن سياسات مالية مشكوك في فاعليتها، أبرزها توجه الحكومة نحو الاقتراض لتغطية العجز، بينما يتم توجيه جزء كبير من هذه القروض نحو نفقات غير منتجة، مثل البريمات والرواتب العالية للفئات السياسية والنخبوية، في ظل تزايد الفساد وغياب المحاسبة. كل هذا ينعكس سلباً على معيشة المواطنين، الذين يعانون من غلاء الأسعار، وندرة فرص العمل، مما يدفع الكثيرين إلى التفكير في الهجرة السرية كحل للهروب من هذا الواقع المأزوم.

1. الاقتصاد المغربي: نظرة عامة

يعتبر الاقتصاد المغربي من الاقتصادات النامية في منطقة شمال أفريقيا، ويعتمد بشكل كبير على قطاعات الزراعة، السياحة، والصناعة. وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي لعام 2023، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للمغرب حوالي 138 مليار دولار. إلا أن هذا الرقم لم يكن كافياً لتغطية الاحتياجات الاقتصادية للدولة، ما دفع الحكومة نحو سياسة الاقتراض المتزايد.

 2. المديونية الداخلية والخارجية: أرقام وتحليل

بحسب التقارير الرسمية، تجاوزت المديونية العامة للمغرب، بما فيها المديونية الداخلية والخارجية، حاجز الـ 100 مليار دولار في 2023، حيث بلغت المديونية الخارجية حوالي 65 مليار دولار، بينما وصلت المديونية الداخلية إلى نحو 35 مليار دولار. يمثل هذا الرقم أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يضع المغرب في وضع مالي حرج. فارتفاع المديونية يعني زيادة الضغط على ميزانية الدولة بسبب تكاليف خدمة الدين، ما يحد من قدرتها على تمويل مشاريع تنموية حقيقية.

 3. استخدام القروض في نفقات غير منتجة: البريمات والفساد المالي

أحد أهم المشاكل التي تواجه الاقتصاد المغربي هي سوء إدارة القروض والموارد المالية. تشير التقارير إلى أن جزءاً كبيراً من هذه القروض يتم توجيهه نحو نفقات غير منتجة، مثل البريمات العالية للموظفين الحكوميين والبرلمانيين، ورواتب ومزايا المسؤولين الكبار. بالإضافة إلى ذلك، ينتشر الفساد بشكل كبير في المؤسسات الحكومية، حيث تُسجل حالات متكررة لاختلاس المال العام دون وجود محاسبة حقيقية للمتورطين.

في عام 2023، خصصت الحكومة المغربية حوالي 5 مليارات درهم (ما يعادل 500 مليون دولار) للبريمات والمزايا الخاصة بالمسؤولين الحكوميين والبرلمانيين. بينما خصصت ميزانية البرلمان وحده ما يقارب 600 مليون درهم (60 مليون دولار)، وميزانية القصر الملكي وصلت إلى 2.6 مليار درهم (260 مليون دولار)، وهي أرقام تتجاوز بكثير ميزانيات العديد من القطاعات الاجتماعية الحيوية، مثل الصحة والتعليم.

 4. غياب المحاسبة وتكريس الامتيازات: تقاعد البرلمانيين والوزراء

من أبرز مظاهر سوء إدارة الموارد المالية في المغرب هو استمرار الامتيازات الكبيرة للبرلمانيين والوزراء، خاصة في ما يتعلق بنظام التقاعد الخاص بهم. يحصل البرلمانيون على معاشات تقاعدية كبيرة بعد فترة قصيرة من الخدمة، بينما يتمتع الوزراء بتقاعد مريح يثقل كاهل الميزانية العامة. ورغم الانتقادات الواسعة من المجتمع المدني والناشطين، لا تزال هذه الامتيازات قائمة، دون أن تتخذ الحكومة خطوات جادة لإصلاحها.

 5. تأثير سوء الإدارة المالية على معيشة المواطنين

انعكست هذه السياسات المالية بشكل سلبي على حياة المواطنين. فالتضخم وغلاء المعيشة أصبحا سمة دائمة في الاقتصاد المغربي، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. وفقاً لبيانات رسمية، بلغ معدل التضخم حوالي 4.5% في 2023، وهو معدل يؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في ظل جمود الأجور وتراجع فرص العمل.

عدم خلق فرص عمل كافية للشباب دفع الكثيرين منهم إلى البحث عن فرص خارج البلاد، حتى ولو كانت عبر الهجرة السرية، التي تشهد ارتفاعاً مقلقاً في أعداد المغامرين بها، رغم المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها. هذا الاتجاه يعكس يأس الشباب من الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وغياب الأمل في تحسن قريب للأوضاع.

 6. السياسات الاقتصادية والبحث عن الحلول

أمام هذه التحديات، يتطلب الوضع في المغرب تبني سياسات اقتصادية جديدة، تركز على ترشيد الإنفاق الحكومي، وتوجيه القروض نحو مشاريع تنموية حقيقية تخلق فرص عمل وتحسن مستوى معيشة المواطنين. كما ينبغي مكافحة الفساد بشكل حازم، وتفعيل آليات المحاسبة لضمان استخدام المال العام بطريقة شفافة وفعالة.

على الحكومة أيضاً إعادة النظر في الامتيازات الكبيرة الممنوحة للبرلمانيين والوزراء، وإصلاح نظام التقاعد، بما يحقق العدالة ويخفف العبء عن الميزانية العامة. كما يجب أن تركز السياسات الاقتصادية على دعم القطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة، وتعزيز السياحة، بما يساهم في تقليل الاعتماد على القروض ويخلق فرص عمل للشباب.

يمر الاقتصاد المغربي بفترة حرجة تتطلب إصلاحات جذرية وشاملة. إن استمرار الحكومة في سياساتها الحالية، التي تعتمد على الاقتراض وتوجيه الأموال نحو نفقات غير منتجة، سيؤدي بلا شك إلى تفاقم الوضع الاقتصادي وزيادة معاناة المواطنين. الحل يكمن في إعادة توجيه السياسات الاقتصادية نحو التنمية المستدامة، ومحاربة الفساد، وإعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية والمحاسبة. 

نوت بريس
الكاتب :