منذ توليه منصب الرئاسة في ديسمبر 2019، أثار عبد المجيد تبون الكثير من الجدل حول اتجاهات حكومته. كثير من المحللين السياسيين والمراقبين يرون أن الجزائر في عهد تبون شهدت زيادة ملحوظة في العسكرة وتقييد الحريات المدنية، في ظل تبني سياسات داخلية متشددة تجاه المعارضة الشعبية، إلى جانب تبني سياسات خارجية أكثر عدائية تجاه بعض جيرانها، مما أثار مخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية والاستقرار في البلاد والمنطقة.
زيادة العسكرة
تعود جذور عسكرة السياسة الجزائرية إلى عقود مضت، منذ حرب الاستقلال الجزائرية (1954-1962) ضد الاستعمار الفرنسي. بعد الاستقلال، أصبحت المؤسسة العسكرية تلعب دوراً رئيسياً في صنع القرار السياسي. ومع ذلك، يُعتقد أن عبد المجيد تبون قد عزز هذا الدور بشكل أكبر. ويظهر ذلك من خلال زيادة صلاحيات الجيش في الشؤون الداخلية، حيث تتخذ الحكومة قرارات استراتيجية بالتنسيق الوثيق مع المؤسسة العسكرية، مما يعزز فكرة أن الجيش لا يزال هو الحاكم الفعلي للبلاد.
في هذا السياق، شهدت الجزائر في عهد تبون توسيع نطاق قوانين مكافحة الإرهاب والقوانين المتعلقة بالأمن، والتي استخدمت كذريعة لقمع المعارضة السياسية والاحتجاجات الشعبية. بعد الحراك الشعبي الذي اندلع في 2019، والذي أدى إلى استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، واصل الجزائريون التظاهر مطالبين بتغييرات ديمقراطية حقيقية. إلا أن الحكومة ردت بقسوة متزايدة على هذه الاحتجاجات، حيث تم اعتقال مئات النشطاء والصحفيين والمعارضين تحت ذريعة الحفاظ على "الأمن الوطني".
تقييد الحريات وقمع المعارضة
في ظل نظام تبون، كانت هناك زيادة واضحة في تقييد الحريات المدنية. العديد من الشخصيات السياسية البارزة، مثل كريم طابو، أحد أبرز رموز الحراك، تم احتجازهم ومحاكمتهم بتهم غامضة، تتعلق غالبًا بـ "الإضرار بالأمن القومي" أو "التحريض على الفوضى". الصحافة الحرة، التي كانت تتمتع بقدر من الحرية خلال بعض الفترات السابقة، أصبحت الآن تحت ضغوط شديدة. تم إغلاق عدة مواقع إخبارية، وتعرض الصحفيون للملاحقات القضائية والاعتقالات، مما أدى إلى تراجع حرية التعبير إلى مستويات غير مسبوقة في البلاد.
يقول العديد من الحقوقيين إن استخدام القوانين الأمنية لاستهداف المعارضين أصبح السمة الرئيسية لعهد تبون. القوانين الجديدة تجعل من الصعب على المعارضين أو الصحفيين التحقيق أو الانتقاد بدون مخاطر التعرض للاعتقال. وهذا يؤدي إلى شعور عام بالخوف بين الجمهور، حيث يعتبر النظام أي انتقاد أو احتجاج تهديدًا محتملًا للأمن الوطني.
السياسة الخارجية: عداء متزايد تجاه الجيران
على صعيد السياسة الخارجية، تبنت الجزائر تحت قيادة تبون موقفاً أكثر عدائية تجاه بعض دول الجوار، خصوصاً المغرب. لطالما كانت العلاقات الجزائرية المغربية متوترة بسبب قضية الصحراء المغربية، ولكن في السنوات الأخيرة تصاعدت التوترات إلى مستويات غير مسبوقة. قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 2021 كان بمثابة خطوة كبيرة في تدهور العلاقات، وهو ما زاد من تعقيد الأوضاع في منطقة المغرب العربي.
أدى التقارب المتزايد بين المغرب وإسرائيل، بالإضافة إلى التطورات الإقليمية، إلى شعور الجزائر بأنها مهددة، مما دفعها إلى تعزيز قدراتها العسكرية والدخول في تحالفات استراتيجية مع دول مثل روسيا والصين. هذا التحول في السياسة الخارجية يعكس نهجاً أكثر تشدداً في التعامل مع القضايا الإقليمية، ويزيد من احتمالات التصعيد العسكري في المنطقة.
كما أن علاقات الجزائر مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، مرت بفترات من التوتر المتزايد. بينما حاول تبون التمسك بخطاب العداء للإمبريالية، فإن التوترات المتزايدة مع باريس تظهر عمق التحديات في إدارة العلاقات الدولية، خصوصاً مع استمرار ملفات حساسة مثل مسألة الأرشيفات والاعتراف الفرنسي بجرائم الحقبة الاستعمارية.
تأثير السياسات على الاستقرار الداخلي والإقليمي
يخشى الكثير من أن السياسات الحالية التي تتبناها حكومة تبون قد تؤدي إلى مزيد من الاضطرابات الداخلية. استمرارية العسكرة وقمع المعارضة يهددان بإثارة سخط شعبي واسع النطاق، خاصة في ظل تزايد معدلات البطالة، والتدهور الاقتصادي، وفقدان الثقة في الحكومة. يعتقد البعض أن هذه السياسات قد تؤدي إلى عودة الاحتجاجات بأشكال أكثر عنفاً، مما سيزيد من الضغوط على النظام القائم.
إقليمياً، قد تؤدي السياسات العدائية تجاه بعض الجيران إلى زيادة التوترات وعدم الاستقرار في شمال أفريقيا. النزاعات الطويلة مع المغرب، على سبيل المثال، قد تتحول إلى صراع عسكري مفتوح، خصوصاً مع تزايد التوترات على خلفية الصحراء الغربية وتزايد التحالفات العسكرية بين الجانبين.
في عهد عبد المجيد تبون، تبدو الجزائر وكأنها تتجه نحو مزيد من العسكرة وقمع الحريات الداخلية، في حين تتبنى سياسة خارجية أكثر عدائية تجاه بعض جيرانها. هذا التوجه يثير القلق بشأن الاستقرار الداخلي والإقليمي على حد سواء، ويضع الجزائر في مواجهة تحديات كبيرة قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية
