الهجرة السرية الجماعية وحكومة عزيز أخنوش: هل الأزمة هي نتيجة السياسات أم تواطؤ؟

data:post.title

تشهد السواحل المغربية في السنوات الأخيرة موجات غير مسبوقة من الهجرة السرية الجماعية، إذ يبحث الآلاف من الشباب والمواطنين عن فرص للعيش الكريم خارج حدود بلادهم. هذا التوجه ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المغرب. ومع تصاعد الأزمة، يتزايد الحديث عن مسؤولية الحكومة، خاصة حكومة عزيز أخنوش، ودورها في تفاقم هذا الوضع. يتساءل البعض عن مدى قدرة الحكومة على التصدي لهذه الأزمة، فيما يذهب آخرون إلى اتهامات بالتواطؤ أو الصمت المريب من جانب النظام الملكي.

الهجرة السرية: أرقام ومؤشرات خطيرة

تعتبر الهجرة السرية واحدة من أبرز المشاكل التي تواجه المغرب حاليًا، حيث تتزايد محاولات العبور إلى أوروبا بشكل غير مسبوق. وفقًا لتقارير دولية ومحلية، فإن عام 2023 شهد ارتفاعًا ملحوظًا في عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين حاولوا الوصول إلى السواحل الإسبانية عبر قوارب الهجرة. هذه الظاهرة تمثل كارثة إنسانية واقتصادية، حيث يغامر العديد بحياتهم، ويفقد البعض حياتهم في عرض البحر.

يُجمع الخبراء أن هذه الظاهرة تعكس أزمة عميقة في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب. الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، البطالة المتفشية، والتفاوت الاجتماعي، كلها عوامل تدفع الشباب للبحث عن مستقبل أفضل في الضفة الأخرى من المتوسط. ورغم أن هذه المشاكل ليست جديدة، إلا أن حكومة عزيز أخنوش تُتهم بالتقصير في التعامل معها.

حكومة أخنوش: سياسات أم أزمات؟

وصل عزيز أخنوش إلى رئاسة الحكومة بعد انتخابات 2021، في سياق وصفه البعض بـ"الانتقال السلس" للسلطة، بعدما حصل حزبه "التجمع الوطني للأحرار" على الأغلبية البرلمانية. أخنوش، رجل الأعمال الناجح وصاحب إمبراطورية اقتصادية، وعد الشعب المغربي بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وخلق فرص عمل، وتحسين مستوى المعيشة. لكن مع مرور الوقت، تبين أن تلك الوعود كانت أبعد ما تكون عن الواقع.

السياسات التي اتبعتها حكومة أخنوش منذ توليها السلطة لم تسهم في معالجة المشاكل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المغربي. بدلاً من ذلك، تصاعدت أسعار المواد الأساسية، وتراجعت فرص العمل، وتدهور الوضع الاجتماعي للفئات الفقيرة والمتوسطة. هذا الفشل في تحسين الظروف المعيشية دفع بالعديد من المواطنين إلى التفكير في الهجرة، مما يعكس عجز الحكومة عن توفير بدائل واقعية ومستدامة للشباب.

تواطؤ أم صمت ملكي؟

أمام هذا الوضع المتردي، يثار تساؤل حول موقف الملك محمد السادس من حكومة أخنوش. هل هناك خوف من تغيير حكومي، أم أن الملك يفضل الاحتفاظ بهذه الحكومة لاعتبارات سياسية أو اقتصادية معينة؟

المعروف أن النظام الملكي في المغرب يمتلك سلطات واسعة، ويدير بشكل غير مباشر الكثير من الأمور عبر المؤسسات السيادية. ورغم أن الحكومة مسؤولة رسميًا عن تنفيذ السياسات اليومية، إلا أن الملك يمتلك صلاحيات التدخل المباشر في الأزمات الكبرى. وبالتالي، يطرح البعض تساؤلات حول سبب عدم تدخل الملك بشكل قوي لإقالة الحكومة أو إعادة توجيه السياسات.

هناك تفسيرات مختلفة لهذا الصمت النسبي من جانب القصر. يرى البعض أن الملك قد يكون متخوفًا من تأثير أي تغيير حكومي على الاستقرار السياسي في البلاد، خاصة في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الصعبة. من جهة أخرى، يشير آخرون إلى احتمال وجود تواطؤ بين النظام وحكومة أخنوش، حيث تسعى كل الأطراف للحفاظ على استقرار المنظومة الاقتصادية والسياسية، ولو على حساب الأوضاع الاجتماعية.

هل هناك حل للأزمة؟

إن البحث عن حلول لأزمة الهجرة السرية يتطلب جهودًا جادة من الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات الدولية. لا يمكن معالجة هذه الظاهرة دون تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. يجب على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها وتبادر إلى تنفيذ إصلاحات حقيقية تشمل تحسين التعليم، توفير فرص العمل، وضمان حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

وفي ظل هذا الوضع، يبقى تدخل الملك أمرًا حاسمًا. إقالة حكومة أخنوش أو تعديلها قد يكون خطوة ضرورية، لكن ذلك لوحده لن يكون كافيًا ما لم يترافق مع إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية. الهجرة السرية هي مؤشر على فشل سياسات طويلة الأمد، ولا يمكن معالجتها بالحلول السطحية أو المؤقتة.

في النهاية، يجب التأكيد على أن أزمة الهجرة السرية الجماعية ليست مشكلة مغربية فقط، بل هي جزء من أزمة إقليمية وعالمية تتعلق بالفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين الشمال والجنوب. ومع ذلك، تبقى مسؤولية حكومة عزيز أخنوش في هذا السياق واضحة، إذ أن فشلها في تحسين الأوضاع المعيشية للشعب المغربي ساهم بشكل كبير في تفاقم هذه الظاهرة. أما بالنسبة للملك، فإن تدخله قد يكون حاسمًا في إعادة توجيه السياسات وإنقاذ البلاد من مزيد من التدهور. 

نوت بريس
الكاتب :