في الساحة السياسية المغربية، لطالما كانت المناوشات بين الفاعلين السياسيين جزءاً لا يتجزأ من ديناميكيتها. لكن بعض التصريحات تكون لها أصداء أوسع وأكثر تأثيراً على المشهد العام. من بين هذه التصريحات، نجد الاتهام الذي وجهه عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق وزعيم حزب العدالة والتنمية، إلى عزيز أخنوش، رئيس الحكومة الحالي وزعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث وصفه بـ"الشفار" في إشارة إلى ما يعتبره فساداً في تسيير الشأن العام.
خلفية الصراع
يعود الصراع بين بنكيران وأخنوش إلى سنوات مضت، حين كان بنكيران رئيساً للحكومة المغربية بعد فوز حزبه العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية لعام 2011. في تلك الفترة، كان أخنوش وزيراً للفلاحة والصيد البحري، وتوترت العلاقة بين الطرفين، خاصة مع ازدياد نفوذ أخنوش في الساحة السياسية وتحول حزبه إلى منافس قوي للعدالة والتنمية.
في السنوات الأخيرة، ومع خروج بنكيران من رئاسة الحكومة بعد رفض أخنوش التعاون معه لتشكيل حكومة ثانية بعد انتخابات 2016، ازداد التوتر بينهما. وظهر ذلك بشكل جلي في تصريحات بنكيران، التي غالباً ما تحمل طابع النقد الحاد والاتهام المباشر.
التصريح الأخير: تحليل السياق والمحتوى
تصريح بنكيران الأخير الذي قال فيه: "نتا شفار.. و550 درهم تتعطيها غير للكارديان ديال طوموبيلتك" يحمل أبعاداً متعددة. فمن جهة، يعكس هذا التصريح حدة الصراع الشخصي بين بنكيران وأخنوش. ومن جهة أخرى، يشير إلى مستوى الانتقادات التي يوجهها بنكيران لأخنوش في ما يتعلق بتسيير الأخير للشأن العام وممارساته الاقتصادية.
الجانب الاقتصادي
يستند تصريح بنكيران إلى عدة نقاط، أهمها الانتقادات الموجهة لأخنوش بخصوص تراكم الثروة بطرق غير مشروعة أو على حساب المواطنين. فبنكيران يلمح إلى أن المبالغ التي يعتبرها ضخمة، والتي يمكن أن يدفعها أخنوش بسهولة، تعكس تفاوتاً طبقياً كبيراً يثير الجدل حول مصادر هذه الثروة وطريقة توزيعها.
كما أن إشارة بنكيران إلى 550 درهم كمبلغ يدفعه "للکارديان" (الحارس الشخصي للسيارة) ليست عشوائية. فهي تحمل دلالة على أن أخنوش يعيش في مستوى اقتصادي يفوق بكثير المستوى المعيشي للمواطن المغربي العادي، ما يجعله بعيداً عن معاناتهم وهمومهم اليومية.
الجانب السياسي
على الصعيد السياسي، يحمل تصريح بنكيران رسالة واضحة. فهو يعبر عن رفضه للسياسات التي ينتهجها أخنوش وحكومته، والتي يعتبرها غير منصفة وغير عادلة. كما أن اتهامه بالسرقة يعكس نوعاً من الاحتقار لفئة معينة من السياسيين الذين يتهمهم بنكيران بالفساد وسوء استغلال السلطة.
من ناحية أخرى، يمكن تفسير تصريح بنكيران كمحاولة لكسب تأييد شعبي من خلال خطاب مباشر وشعبي يمس القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تهم المواطن العادي. بنكيران، الذي اشتهر بخطابه القريب من الناس، يستمر في استخدام نفس الأسلوب في مهاجمة خصومه السياسيين.
ردود الفعل والتداعيات
بعد تصريح بنكيران، تباينت ردود الفعل بين مؤيد ومعارض. بعض الأطراف اعتبرت أن تصريحات بنكيران تأتي في إطار الصراع السياسي الطبيعي، وأنه من حقه التعبير عن رأيه وانتقاد السياسات الحكومية. بينما رأى آخرون أن استخدام لغة الاتهام المباشر والتجريح الشخصي لا يخدم المصلحة العامة، وقد يزيد من حدة الانقسام السياسي.
في المقابل، لم يصدر حتى الآن أي رد رسمي من أخنوش على هذه الاتهامات، ما يفتح الباب أمام التكهنات حول استراتيجيته في التعامل مع هذه التصريحات.
الآثار المحتملة على المشهد السياسي
من المتوقع أن يكون لهذا التصريح تأثيرات على المشهد السياسي في المغرب. فمن جهة، قد يزيد من تعقيد العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار. ومن جهة أخرى، قد يؤدي إلى تصاعد التوتر بين بنكيران وأخنوش، ما قد ينعكس على أداء الحكومة الحالية ويؤثر على تماسكها.
كما أن هذا النوع من التصريحات قد يدفع المواطنين إلى الانقسام بين مؤيد لبنكيران ومعارض له، ما يزيد من حدة التوتر السياسي والاجتماعي في البلاد.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت هذه التصريحات ستؤدي إلى تغيير في السياسات الحكومية، أم أنها ستظل مجرد جزء من حرب التصريحات بين الفاعلين السياسيين. ما هو مؤكد هو أن الصراع بين بنكيران وأخنوش لم ينتهِ بعد، وأن الأيام المقبلة قد تحمل مزيداً من التوترات والمفاجآت في الساحة السياسية المغربية.
