هل تحولت قضايا التجسس إلى ورقة سياسية بين الجزائر والمغرب؟

data:post.title


أثارت قضية تفكيك شبكة تجسس مؤلفة من 6 أشخاص، بينهم ثلاثة مغاربة وثلاثة جزائريين، في تلمسان الجزائرية، جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام الجزائرية والمغربية. ومع تعمق الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، تزايدت الاتهامات المتبادلة بالتجسس والتآمر، مما دفع الكثيرين للتساؤل: هل تحولت قضايا التجسس إلى ورقة سياسية في صراع الجزائر والمغرب؟

 خلفية القضية:

أعلنت السلطات الجزائرية، عبر وكيل الجمهورية لدى محكمة تلمسان، عن تفكيك شبكة تجسس تضم ستة أفراد، ثلاثة منهم يحملون الجنسية المغربية والثلاثة الآخرون جزائريون. ووفقاً للمصادر القضائية الجزائرية، فإن هذه الشبكة كانت تعمل على "التجسس والتخابر بهدف المساس بأمن الدولة"، وذلك عن طريق تجنيد مغاربة وجزائريين لتهديد المؤسسات الأمنية والإدارية الجزائرية.

بدأت القصة حينما ألقت السلطات القبض على مغربي دخل الجزائر بطريقة غير شرعية، حيث تم توقيفه بعد اشتباه في تحركاته. وبعد التحقيقات الأولية، تم الكشف عن شبكة أوسع تضم مغاربة وجزائريين على صلة به، كانوا يعملون لصالح جهات أجنبية بهدف زعزعة الاستقرار في الجزائر.

 تصعيد التوترات بين الجزائر والمغرب:

تأتي هذه الحادثة في ظل تصاعد التوترات بين الجزائر والمغرب، حيث تمر العلاقات بين البلدين بأزمة دبلوماسية حادة. فمنذ عقود، تعيش الجزائر والمغرب حالة من الشكوك المتبادلة، زاد من حدتها النزاع على الصحراء المغربية. ودفعت هذه التوترات العديد من المحللين إلى التساؤل عما إذا كانت قضايا التجسس تأتي في سياق الصراع السياسي بين البلدين، بدلاً من كونها حوادث جنائية بحتة.

الجزائر تتهم المغرب بشكل متكرر بالتجسس والعمل على زعزعة استقرارها الداخلي، وهو ما ينفيه المغرب بشدة. على الجانب الآخر، يرى مراقبون أن الجزائر تستغل هذه القضايا لتعزيز موقفها السياسي داخلياً وخارجياً، ولإحراج المغرب على الساحة الدولية.

 توظيف قضايا التجسس في السياسة الداخلية والخارجية:

لعبت قضايا التجسس عبر التاريخ دوراً محورياً في العلاقات الدولية، وغالباً ما يتم توظيفها كأداة سياسية بين الدول المتخاصمة. وفي حالة الجزائر والمغرب، يبدو أن الأمر لا يختلف كثيراً. فكل من البلدين يسعى لإظهار نفسه كضحية لتجاوزات الآخر، سواء من خلال قضايا التجسس أو غيرها من الاتهامات المتبادلة.

في الجزائر، يمكن أن تسهم هذه القضايا في تعزيز اللحمة الوطنية والالتفاف حول القيادة السياسية، خاصة في ظل التحديات الداخلية التي تواجهها البلاد، من مشاكل اقتصادية إلى مطالب اجتماعية متزايدة. ومن خلال إبراز تهديدات خارجية، قد تسعى الحكومة الجزائرية إلى توجيه الرأي العام نحو التحديات الأمنية، وبالتالي إضعاف المعارضة الداخلية.

أما على الصعيد الخارجي، فقد تسعى الجزائر من خلال هذه القضايا إلى إحراج المغرب أمام المجتمع الدولي، وتصويره كدولة تتدخل في شؤون جيرانها وتستغل العلاقات غير المستقرة لتحقيق مكاسب سياسية.

 المغرب ونفي الاتهامات:

من جهته، ينفي المغرب باستمرار تورطه في أعمال تجسس ضد الجزائر أو أي دولة أخرى. وقد اعتبرت السلطات المغربية هذه الاتهامات غير مبررة وتهدف إلى تشويه صورة المغرب على الساحة الدولية. ورغم النفي المغربي، إلا أن الجزائر لا تزال متمسكة بموقفها، معتبرة أن لديها أدلة دامغة على تورط شبكات مغربية في التجسس والتآمر.

 تأثيرات هذه القضايا على العلاقات الثنائية:

لا شك أن مثل هذه القضايا تزيد من تعقيد العلاقات بين البلدين، وتضعف أي آمال في تحسين العلاقات الثنائية في المستقبل القريب. فكل حادثة جديدة تزيد من عمق الهوة بين الجزائر والمغرب، وتجعل من الصعب التوصل إلى تفاهمات أو حلول وسطى في القضايا العالقة بينهما.

وبالإضافة إلى التوترات السياسية، فإن هذه القضايا قد تؤثر سلباً على حياة المواطنين العاديين، سواء الجزائريين أو المغاربة، الذين يعيشون في الدولتين. فقد تؤدي هذه الاتهامات إلى تشديد الإجراءات الأمنية وزيادة الشكوك المتبادلة بين سكان البلدين، مما يخلق جواً من عدم الثقة يمكن أن يستمر لسنوات قادمة.

قضية تفكيك شبكة التجسس في تلمسان، سواء كانت مدعومة بأدلة دامغة أو مفبركة لأغراض سياسية، تعكس مدى تعقيد العلاقات بين الجزائر والمغرب. في ظل هذه الظروف، يبدو أن قضايا التجسس ستبقى جزءاً من أدوات الصراع السياسي بين البلدين، ما لم يتم التوصل إلى حلول دبلوماسية شاملة تعالج جذور النزاع وتفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.

ومع استمرار التصعيد بين البلدين، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستظل قضايا التجسس ورقة مساومة في الصراع الجزائري-المغربي، أم أن هناك أمل في تجاوز هذه المرحلة والوصول إلى تفاهمات تحقق الاستقرار في المنطقة؟ 

نوت بريس
الكاتب :