"الجزائر الجديدة": وهم التغيير بين الخطاب الرسمي والواقع المعيش

data:post.title


 بين وعود التغيير وصراع البقاء

تقترب الجزائر من استحقاق انتخابي جديد قد يحدد ملامح مستقبل البلاد للسنوات الخمس المقبلة. الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الذي وصل إلى سدة الحكم في أواخر عام 2019، يسعى اليوم لولاية ثانية في انتخابات السابع من سبتمبر/أيلول، تحت شعار "الجزائر الجديدة". في خطبه المتعددة، يؤكد تبون على أهمية بقائه في الرئاسة لمواصلة تحقيق هذا المشروع، إلا أن نظرة متفحصة إلى الوضع الراهن تظهر فجوة واسعة بين الوعود الطموحة والواقع المعيش. في ظل هذه الظروف، تتبدد آمال الجزائريين الذين كانوا يتطلعون إلى تغيير سياسي عميق وتحسين أوضاعهم المعيشية.

تبون والحراك الشعبي: من التفاعل إلى التجاهل

وصل تبون إلى الحكم في ذروة الحراك الشعبي الذي أطاح بسلفه عبدالعزيز بوتفليقة، وشهدت الجزائر حينها تحولات عميقة على المستوى الاجتماعي والسياسي. كان الحراك الشعبي تعبيرًا عن تطلعات الجزائريين نحو نظام سياسي جديد مبني على أسس الديمقراطية والشفافية. إلا أن هذه الآمال بدأت تتلاشى مع مرور الوقت، حيث تراجع الحراك تحت وطأة القمع الحكومي وجائحة كوفيد-19 التي منعت التجمعات وأثرت على حركة الاحتجاجات.

يرى الباحث حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، أن تبون قد تخلى عن مسألة الانتقال الديمقراطي التي كانت من أولويات الحراك الشعبي. بل إنه تجاهل مطالب الملايين الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بتغيير النظام السياسي. وبذلك، يصبح شعار "الجزائر الجديدة" مجرد واجهة لنهج سياسي لا يختلف كثيرًا عن سابقه، حيث يتم التركيز على الاستمرارية بدلًا من التغيير الجذري.

 الاقتصاد: وعود التنمية ومحدودية النتائج

على الصعيد الاقتصادي، يعترف تبون بأن ولايته الأولى كانت بمثابة "اللبنة الأولى" لبناء اقتصاد ناشئ. ولكن الحقيقة تكشف عن واقع مختلف، حيث يعتمد الاقتصاد الجزائري بشكل كبير على صادرات النفط والغاز، التي تمثل 95% من موارد العملة الأجنبية. وبرغم تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل ارتفاع الاحتياطات من العملات الأجنبية إلى 70 مليار دولار، فإن الاقتصاد يظل هشًا وغير متنوع، مما يعرض البلاد لمخاطر اقتصادية كبيرة في حالة تقلب أسعار الطاقة العالمية.

وعلى الرغم من السياسات الحكومية التي تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي، مثل زيادة رواتب الموظفين وإنشاء منحة بطالة للشباب، إلا أن هذه التدابير تبقى غير كافية لمعالجة التحديات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الجزائري. لا يزال الشباب الجزائري يعاني من البطالة بنسبة كبيرة، حيث تصل نسبة العاطلين عن العمل دون 24 عامًا إلى 36%. ومع ذلك، يرى البعض، مثل الممرض رابح زروقني، أن هناك تحسنًا في البنية التحتية، مما يعكس جزئيًا جهود الحكومة في هذا المجال.

 السياسة الخارجية: نجاحات محدودة وتوترات متزايدة

على مستوى السياسة الخارجية، شهدت الجزائر في عهد تبون بعض النجاحات، مثل استضافة قمة الجامعة العربية في 2022، وشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي. ومع ذلك، فإن هذه النجاحات تقابلها تحديات كبيرة، حيث تعاني الجزائر من تدهور علاقاتها مع بعض الدول العربية والإفريقية. العلاقات مع المغرب والإمارات العربية المتحدة ومالي تدهورت بشكل ملحوظ، مما يعكس عجز الجزائر عن صياغة سياسة خارجية متوازنة وفعالة.

علاوة على ذلك، تجد الجزائر نفسها في عزلة متزايدة في القارة الإفريقية، حيث فشلت في تعزيز حضورها في منطقة الساحل الإفريقي. هذا التراجع يعكس ارتباكًا دبلوماسيًا وعجزًا عن إقامة علاقات بناءة مع دول المنطقة التي باتت تنظر إلى الجزائر كقوة تسعى إلى التدخل في شؤونها الداخلية.

 الجزائر بين الاستمرارية والتغيير

في ظل هذه الظروف، يبدو أن "الجزائر الجديدة" التي وعد بها تبون ليست سوى شعار فارغ من المضمون. فالواقع يعكس استمرارية النهج القديم، مع تغييرات طفيفة لا ترقى إلى مستوى تطلعات الشعب الجزائري الذي يطمح إلى نظام سياسي جديد واقتصاد متنوع ومستدام. وفي الوقت الذي يمضي فيه تبون نحو ولاية ثانية، تبقى الجزائر عالقة بين وعود التغيير ومحدودية التنفيذ، مما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل البلاد واستقرارها على المدى البعيد. 

نوت بريس
الكاتب :