التحولات العسكرية والدبلوماسية في القرن الإفريقي: بين المغرب وإثيوبيا، وأثر التحالفات على مصر والجزائر

data:post.title


في ظل تصاعد التوترات الدولية والإقليمية حول سد النهضة في إثيوبيا والتحالفات العسكرية والدبلوماسية المتشابكة في منطقة القرن الإفريقي، تشهد المنطقة تطورات حاسمة. الزيارة السرية التي قام بها قائد الجيش الجزائري، الفريق "سعيد شنقريحة"، إلى القاهرة في 4 سبتمبر 2024، جاءت بعد أسبوع من زيارة وفد عسكري إثيوبي إلى المغرب، مما أثار تساؤلات حول تداعيات هذه التحركات على العلاقات المصرية-الجزائرية وعلى منطقة القرن الإفريقي بأكملها.

الخلفية: التوترات حول سد النهضة والتحالفات الجديدة:

إثيوبيا، التي تواجه انتقادات دول المصب، خصوصاً مصر والسودان، بسبب الملء الخامس لسد النهضة ورفضها فتح بوابات السد لمدهم بحصصهم المائية المتفق عليها، تجد نفسها في قلب التوترات الإقليمية. ومن جهة أخرى، عززت الرباط وإثيوبيا علاقتهما عبر اتفاقية عسكرية تهدف إلى دعم إثيوبيا في تأمين حدودها من التمرد الداخلي، لا سيما في منطقة تيغراي. هذا الاتفاق جاء في وقت حساس بالنسبة لمصر التي أنزلت 10,000 جندي في الصومال، مما زاد من القلق في أديس أبابا.

زيارة شنقريحة إلى القاهرة: دوافع ومحاولة تحسين العلاقات مع مصر:

الجيش الجزائري، الذي شعر بالخطر من التقارب المغربي-الإثيوبي، سعى إلى تحسين علاقاته مع مصر بعد توترها بسبب تصريحات الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" التي اتهم فيها القاهرة برفض فتح معبر غزة. وفي هذا السياق، حاول "شنقريحة" شيطنة التحالف المغربي-الإثيوبي، مظهراً الجزائر كحليف قوي لمصر في معركتها المائية، ومحاولاً إصلاح الموقف الجزائري الذي أبدى انحيازاً سابقاً لإثيوبيا على حساب مصر.

العلاقات الجزائرية-المصرية: توتر صامت وزيارة غير مُرحب بها:

رغم الجهود الجزائرية، قوبلت زيارة "شنقريحة" إلى القاهرة ببرود. فقد تم إبلاغه بأن جدول الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" ممتلئ، خاصة مع تحضيراته لزيارة أنقرة لبحث الملف الليبي. هذا الموقف المصري يعكس تفضيل القاهرة للمساعدة التركية في هذا السياق، ما أصاب "شنقريحة" بالإحباط. وخلال لقاء الفريق "أسامة عسكر"، قائد الجيش المصري، مع "شنقريحة"، أوضح له أن مصر ليست في وضعية حرب مع إثيوبيا، وأن الاتفاق العسكري بين الرباط وأديس أبابا ليس موجهاً ضد مصر.

الموقف المغربي ودوره في تأمين الاستثمارات:

على الرغم من المخاوف الجزائرية، أكدت مصر أنها تنسق مع الرباط في الجامعة العربية، وأن التحالف المغربي مع إثيوبيا يهدف إلى تدريب الجيش الإثيوبي وتأمين الاستثمارات المغربية في إثيوبيا، خاصة ضد متمردي تيغراي. ولم تكن مصر لتحتج على هذا التعاون المغربي، بل تعتبره جزءاً من حق المغرب في حماية مصالحه.

الدور الأمريكي والبصمة الخفية في إثيوبيا:

يظهر من خلف الكواليس تأثير الولايات المتحدة الأمريكية على السياسة الإثيوبية، حيث أن الملياردير الأمريكي "بيل غيتس" ظهر في أديس أبابا إلى جانب رئيس الوزراء الإثيوبي "أبي أحمد". فمؤسسات "غيتس" تشارك بشكل فعال في تطوير الزراعة في إثيوبيا وتدعم مشاريع الشمول المالي التي تمول البنية التحتية العملاقة هناك، بما في ذلك سد النهضة. دعم واشنطن العلني لهذه المشاريع يجعل من الصعب على مصر اتخاذ أي خطوات عسكرية ضد السد، مما يضعها في
موقف دبلوماسي معقد.

تأثير الزيارة الجزائرية على المشهد الدبلوماسي الإقليمي:

رغم محاولات الجزائر لإظهار نفسها كحليف استراتيجي لمصر في مواجهة التحالف المغربي-الإثيوبي، إلا أن الواقع السياسي يؤكد أن القاهرة تحافظ على علاقاتها التاريخية مع الرباط، وأنها تدرك أن التحالفات الإقليمية والدولية باتت تتغير بسرعة. الولايات المتحدة، بمشاركتها العميقة في إثيوبيا، تضفي بُعداً دولياً على الصراع، فيما تظل الجزائر في موقف المراقب الذي يحاول التأثير على الأحداث دون نجاح يذكر.


زيارة "سعيد شنقريحة" إلى القاهرة كشفت عن تعقيدات جديدة في العلاقات الجزائرية-المصرية، وبرزت مرة أخرى مدى تشابك التحالفات العسكرية والدبلوماسية في منطقة القرن الإفريقي. وبينما تستمر الولايات المتحدة في توجيه اللعبة في إثيوبيا عبر دعمها لمشاريع مثل سد النهضة، تجد الجزائر نفسها متأخرة عن فهم الديناميكيات الجديدة. 

نوت بريس
الكاتب :