في خضم الحراك السياسي الذي شهدته الجزائر خلال السنوات الأخيرة، تزايدت الضغوط الدولية على النظام السياسي بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، خاصة فيما يتعلق بشرعية الانتخابات التي جرت وسط موجة من الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية. وفيما كانت الأنظار تتجه إلى الدور الذي قد تلعبه فرنسا، التي تعتبر من أبفي خضم الحراك السياسي الذي شهدته الجزائر خلال السنوات الأخيرة، تزايدت الضغوط الدولية على النظام السياسي بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، خاصة فيما يتعلق بشرعية الانتخابات التي جرت وسط موجة من الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية. وفيما كانت الأنظار تتجه إلى الدور الذي قد تلعبه فرنسا، التي تعتبر من أبرز القوى المؤثرة في الشأن الجزائري، في الضغط على النظام الجزائري بخصوص الانتخابات، يبدو أن باريس اتخذت نهجاً مختلفاً عن سياستها المعتادة.
وفقاً لمصادر متعددة، ثمة حديث متزايد عن شروط وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، في مقابل إحجام فرنسا عن دعوة مجلس الأمن للتحقيق في نتائج الانتخابات الجزائرية. وهذا الموقف الفرنسي يتناقض مع موقف باريس تجاه انتخابات دول أخرى، مثل فنزويلا تحت حكم نيكولاس مادورو، حيث قادت فرنسا جهوداً دولية للتحقيق في نزاهة الانتخابات هناك.
خلفية تاريخية:
العلاقات بين فرنسا والجزائر معقدة ومتشابكة، إذ تحمل في طياتها ماضياً استعمارياً طويلاً لا يزال يلقي بظلاله على العلاقات الثنائية حتى يومنا هذا. بعد استقلال الجزائر عام 1962، ظلت فرنسا قوة مؤثرة في الشأن الجزائري سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي.
في السياق الحالي، تتداخل المصالح الفرنسية الجزائرية بشكل كبير، حيث تعتمد فرنسا على الجزائر كمصدر رئيسي للطاقة، خاصة في ظل أزمات الغاز المتصاعدة في أوروبا. هذا الوضع الحساس يجعل من الصعب على باريس اتخاذ موقف حاد ضد النظام الجزائري، حتى وإن كانت الديمقراطية في البلاد محل تساؤل.
شروط ماكرون: ماذا وراء الكواليس؟
تسربت تقارير تشير إلى أن ماكرون قدم قائمة من الشروط السرية لتبون، تتعلق بتعديلات داخلية وتنازلات اقتصادية واستراتيجية، مقابل تجنب أي دعوات فرنسية لمجلس الأمن للتحقيق في نتائج الانتخابات الجزائرية. من بين هذه الشروط:
1. إصلاحات اقتصادية موسعة: يبدو أن ماكرون طلب من تبون تنفيذ إصلاحات اقتصادية تصب في مصلحة الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر. تشمل هذه الإصلاحات فتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات الفرنسية وتسهيل شروط العمل للأعمال الفرنسية.
2. تعزيز التعاون الأمني: مع تصاعد التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، تسعى فرنسا إلى ضمان تعاون أكبر من الجزائر في مجال الأمن والاستخبارات. يُقال إن ماكرون شدد على ضرورة تعزيز الجزائر دورها في مكافحة الإرهاب بالتنسيق مع القوات الفرنسية.
3. الامتناع عن التدخل الفرنسي في الشأن السياسي الداخلي: في مقابل تلك الإصلاحات والتنازلات، قد تكون باريس قد وافقت على عدم التدخل في الشأن السياسي الداخلي الجزائري، لا سيما فيما يتعلق بالانتخابات ومستقبل النظام السياسي في الجزائر.
4. مصالح الغاز والطاقة: مع تفاقم أزمة الغاز في أوروبا عقب الحرب الروسية الأوكرانية، تسعى فرنسا إلى تعزيز علاقاتها مع الجزائر كمصدر بديل للطاقة. ويُعتقد أن جزءاً من الشروط يتعلق بإمدادات الغاز وتأمين استثمارات فرنسية في هذا القطاع.
مقارنة مع موقف فرنسا من مادورو:
للمقارنة، لا يمكن إغفال الاختلاف الواضح بين الموقف الفرنسي تجاه الانتخابات الجزائرية وموقفها من الانتخابات في فنزويلا. عندما أعلن نيكولاس مادورو فوزه في الانتخابات الفنزويلية التي شابها اتهامات بالتزوير، قادت فرنسا حملة دولية تطالب بالتحقيق في نتائجها، بل ودعت مجلس الأمن إلى التدخل، ما أثار تساؤلات حول ازدواجية المعايير في السياسة الفرنسية.
ازدواجية المعايير:
يمكن تفسير هذا التباين في السياسة الفرنسية من خلال عدسة المصالح الجيوسياسية. ففي حين لا تعتبر فنزويلا شريكاً استراتيجياً لفرنسا على الصعيد الاقتصادي أو الأمني، فإن الجزائر تشكل جزءاً حيوياً من مصالح فرنسا في شمال أفريقيا. وهذا ما قد يفسر سبب اتخاذ باريس نهجاً أكثر تحفظاً فيما يتعلق بالنظام الجزائري.
الحراك الشعبي: هل ستُحدث هذه التنازلات فرقاً؟
على الرغم من الجهود الفرنسية للحفاظ على الوضع الراهن في الجزائر، إلا أن الحراك الشعبي الذي اندلع عام 2019 لم يهدأ تماماً. لا يزال هناك قطاع واسع من الشعب الجزائري يطالب بالتغيير الجذري في النظام السياسي، ويرفض الصفقات السرية التي تتم بين السلطة والنخب الدولية على حساب الديمقراطية وحقوق المواطنين.
التحليل السياسي:
من الواضح أن ماكرون يسير على حبل مشدود فيما يتعلق بالعلاقات مع الجزائر. فمن ناحية، يسعى إلى حماية المصالح الفرنسية والحفاظ على الاستقرار في منطقة مضطربة، ومن ناحية أخرى، يدرك جيداً أن دعمه الضمني لنظام تبون قد يُفقده شعبيته داخل الجزائر وبين الجاليات الجزائرية في فرنسا.
السياسة الخارجية الفرنسية تواجه تحديات كبيرة، فإرضاء النظام الجزائري قد يؤدي إلى تراجع في سمعتها على الصعيد الدولي، حيث ستُتهم بالتواطؤ مع أنظمة غير ديمقراطية. ولكن، على المدى القصير، يبدو أن باريس تفضل المصلحة الاقتصادية والأمنية على أي اعتبارات أخرى.
تظل العلاقات الفرنسية الجزائرية مثالاً واضحاً على تعقيدات السياسة الخارجية حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية والأمنية مع المطالب الشعبية والديمقراطية. في ظل الظروف الحالية، يبدو أن فرنسا قد اختارت الصمت الاستراتيجي مقابل حصولها على تنازلات ملموسة من النظام الجزائري. ومع ذلك، يبقى السؤال: إلى متى يمكن لباريس أن تحافظ على هذا التوازن دون أن تخسر مصداقيتها الدولية؟